الإنسان والمصباح بقلم : عاشور زكي وهبة
بينما كان يسير مطأطئ الرأس حزينًا، يندبُ حظِّه العثر بأنفاسٍ لاهثةٍ، ارتطمتْ قدمه العابثة بمصباحٍ قديمٍ… ما أسعدهُ! إنَّهُ المصباحُ السِّحريُّ. التقطهُ وقد تبدَّلتْ سحنتُهُ العابسةُ إلى البِشرِ والحبورِ. فركَهُ فرْكةً واحدةً ؛ يا للهولِ! لقد خرج الماردُ بجِرمِهِ الهائلِ يرغي ويزبدُ مُغتاظًا، يلعنُ من أفاقه من غفوته الطويلةِ، ناظرًا والشرر يتطاير من عينيه الناريَّتينِ نحو الجاني قائلًا بحنقٍ: ممممممماذا تبغي أيها الإنسيُّ؟! لقد مللتُ وضقتُ ذرعًا بأمانيكم التافهةِ: أموال، قصور، جواري حِسان، سطوة الجان…لم يسألني أحدكم عن أملي الوحيد؛ إذ انحشرتُ في هذا المصباح منذ عصر الملك سليمان حتَّى الآن بسبب جُرمٍ صغيرٍ فريدٍ اقترفته. هل تحتمل طاقتك ذلك يا إنسان؟!
أوشكَ الأدميُّ على البكاء تأثرًا بحالِ هذا المارد المسكين قائلًا له بأسًى: أعيش أيضًا في ضيقٍ ومسغبةٍ منذ خروجي إلى هذا الكون الرحبِ؛ ولكنِّي أراك أسوأ منِّي حالًا؛ فلتعتبرني ملاك رحمةٍ لكَ. فما رأيك – يا عزيزي – أن استوطن المصباح مكانك ليتتهي مصدر هوانك؟
تهلَّلَ وجه المارد موافقًا على الصفقة المُربحة التي تُكسبه أريج الحُرِّيَّةِ، معربًا عن شكره الجزيل وامتنانه البالغ للأدميِّ الكريم، وطفق يطمئنه بأن المصباح سيتسع له مدَّ بصره بمجرد ولوجه إياه، وسيجد فيه جُلَّ أمانيه تسعى إليه قائلةً: هيت لك!
لكنَّه توقف برهةًً يحذره قائلًا: لا تُلْقْ بالًا لأى فركةٍ بمصباحك، قد تُحَوِّلكَ عبدًا لرغباتِ الآخرين النزقة. في مصباحك مائةُ بابٍ، يمكنك أن تطرقها جميعًا إلَّا بابًا واحدًا فيه عودتك إلى سيرتك الأولى على الأرض. تتعرف عليه من وجود جمجمةٍ وعظمتين متقاطعتين محفورات أعلى الباب المشئوم. وداعًا يا عزيزي! أتمنى لك السعادة في نعيمك الموعود، وأتركك إلى فردوس حريتي المفقود.
انطلق الماردُ ينعم بالحرية؛ ولج الإنسيُّ فوهة المصباح يطرق الأبواب بابًا بابًا فتنفتح أمامه كغازي عتيد، يغرق في جنَّاتٍ افتقدها في أرض الفانين. أنَسَتْهُ جميلاتٌ حسانٌ أنْسَينه طعم الحرمان اللعين، يجدُ خلف كلِّ بابٍ ما لذَّ وطابَ حتَّى وصل إلى الباب المحظورِ.
طرقت أذنيه كلمات المارد الأخيرة، وجحظت عيناه لرؤية الجمجمة المبتورة والعظمتين المتقاطعتين أعلى الباب تُشكِّل علامة الحظر والتحذير. لكن ما أكفر هذا الإنسان! يبتدعُ إبليسًا من نفسه الأمَّارة بالسوء، تسوِّلُ له وتزيِّنُ له الوقوعَ في الجُرمِ الكبيرِ بغيةَ الخلودِ أو المُلكِ الّذي لا يبلى!
في غمرةِ النشوةِ الزائفةِ طرق الأدميُّ البابَ المحظورَ ليعودَ إلى سيرتِه الأولى خارج المصباح المنير. لكنَّه – لحسن حظِّه – حمله سالكًا دربَ السلامة والنجاة على أرض الفانين، يسألُ المولى الغنيَّ العزيزَ الكفاف والسترَ حتّى يَلِجَ لحدَه يُضيئه إيمانه وعمله الصالح
تَمَّتْ بحمد الله
التعليقات مغلقة.