ذكريات أول نوباتجية بقلم د. ابراهيم مصري النهر
ذكريات أول نوباتجية بقلم د. ابراهيم مصري النهر
اليوم أول نوباتجية لي في وزارة الصحة، مفعم بالطاقة والحيوية والنشاط، صاحب رسالة ملائكية، ملَك من ملائكة الرحمة كما يطلقون علينا، وصلت المستشفى، ارتديت البالطو الأبيض الذي طالما حلمت بارتدائه، وضعت سماعتي اللتمن النبيتي على كتفيَّ، استلمت من زميلي حالات الإستقبال على أن يصعد للسكن ليصلي ويتناول غداءه ويستريح بعض الوقت على أن نتناوبا النوباتجية سويا.
بدأت الحالات في التوافد على الإستقبال وبدأت أتكشف حقيقة الأمر من أول ساعة في أول نوباتجية، أجهزة الضغط لا تعمل أو تعمل بنسبة وأنت مطالب بأن تتوقع باقي النسبة، مثلا إن كان الضغط عالٍ أم منخفض وتتعامل بناءً على هذا التوقع، لا ترمومترات لقياس الحرارة أو غير مقبول أن تطلب من التمريض قياس الحرارة، أمّا بالنسبة للسماعة فقد حمدت الله أني أحضرت سماعتي معي، وناهيك عمّا حدث مع مرافقي المرضى من شد وجذب.
في الميعاد المتفق عليه مع زميلي نزل واستلم مني الحالات وصعدت إلى السكن متكئا على درابزين السلم من شدة التعب، لأتناول وجبة الغداء في وقت العشاء، وأصلي، وأستلقي بعض الوقت، وجدت باب السكن مواربا فلا أُوكرا له، بمجرد ما فتحته تزاحمت القطط على الباب للخروج، وأضأت النور فلاذت الصراصير بالفرار إلى بلاعات الحمام والمطبخ من على ترابيزة متهالكة عليها أكواب شاي قد نمت الفطريات على تفالة الشاي بقعرها، وعليها أيضا وجبات السادة الأطباء ملائكة الرحمة الذين لم يُرحموا، وفاقد الشئ كما نعلم لا يعطيه، والوجبة عبارة عن رغيف من الخبز القديد والخضار كوسة يطفو على سطحها السمن المجمد والمكرونة كتلة واحدة مجمدة، عليها قطعة صغيرة لونها ما بين البني والأسود على الأرجح أنها لحم، وللأمانة يوجد أيضا برتقالة وحبة طمام وزر خيار، والترابيزة مركونة على الحائط فإحدى أرجلها مكسورة.
الأرضية مفروشة بأعقاب السجائر وعلب وجبات الديليڤري وأكياس الشيبسي الفارغة، العامل يأتي فقط ليجمع الوجبات ويأخذها.
الحمام سيفونه لا يعمل، الصنبور ملفوف حوله عُصابة كبيرة من القماش تقلل من الماء المهدور لكنها لا تمنعه.
أكلت البرتقالة وقررت أن أدخل وأمدد جسمي على السرير والأجر والثواب على الله، فتحت باب الغرفة فوجدت زميلا نائما على سرير، وعلى السرير الآخر قطة، وثلاث أصوات متداخلة، شخير الزميل، وأزيز الناموس الذي يتخذ من وجهه مطارا له، وصوت المروحة، التي من الأصح أن نسميها مصوتة.
كل ذلك وأكثر في نوباتجية مقابلها المادي عشرون جنيها وأصبح أربعين.
التعليقات مغلقة.