مولد وصاحبه غايب بقلم الأستاذ : سيد جعيتم
للموالد في مصر طعم ولون، فمصر عرفت الاحتفال بالآلهة منذ أيام الدولة الفرعونية الحديثة، والموالد مرتبطة بالمواكب الدينية وبتقديم النذور والقرابين تقربا للرموز الدينية وتضرعًا لها، ويرى المستشرق ماكفرسون في كتابه (الموالد في مصر) أن ظاهرة الموالد ظاهرة إجتماعية قديمة، تعود جذورها إلى احتفاء قدماء المصريين بالآلهة، وقد صورت نقوش جدران المعابد المصرية تلك الاحتفالات ومنها عيد الإله (مين)، وعيد زيارة الإله آمون لمعبد الأقصر (كان يطلق عليه عيد أوبت)، وفيه يتقدم الفرعون موكب الكهنة حاملين القرابين لذبحها.
أما الموالد بشكلها المعروف حاليًا فإنها تختلف عن احتفالات الفراعنة الذين كانوا يحتفلون بالآلهة، وقد اختلف الأمر الآن في عصرنا حيث يتم الاحتفال بمولد أو وفاة ولي من أولياء الله الصالحين أو وفاة قديس، وتتشابه طقوس الاحتفال بالموالد الإسلامية والمسيحية، ويحضرها أهل مصر من مسلمين ومسيحيين دون تفرقة.
ومن موالد آل بيت النبوة: سيدنا الحسن – السيدة زينب – السيدة نفيسة – السيدة سكينة – السيدة فاطمة النبوية – السيدة عائشة.. الخ).
ومن موالد أولياء الله الصالحين الكبار من مؤسسي الطرق الصوفية:
شيخ العرب السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا- سيدي إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق– سيدي المرسى أبو العباس وسيدي جابر بمدينة الإسكندرية – عبد الرحيم القناوي بمدينة قنا- أبو الحجاج الأقصري بالأقصر، وغيرهم.
وهناك أيضًا موالد لبعض اهل الكرامات في القرى والنجوع والحارات.
ومن الموالد القبطية التي تقام للقديسين في ذكري وفاتهم (نياحتهم) وتوقف جهادهم في الدنيا:
مولد السيدة مريم العذراء في كل كنائس مصر خاصة في بدرنكة بأسيوط وجبل الطير بالمنيا، مولد مار جرجس بمنطقة مصر القديمة وميت دمسيس بالدقهلية والرزيقات بالأقصر مولد مارمينا العجايبى بمنطقة مريوط مولد أبو القبط الأنبا شنودة بمنطقة أخميم بسوهاج مولد القديسة دميانة بمنطقة البرلس وسمنود مولد الأنبا برسوم كاتم أسرار الملكة شجرة الدر.
وتتشابه الاحتفالات بالموالد الإسلامية والمسيحية، حيث يتم زيارة ضريح صاحب الليلة، والسير في موكب كبير تتقدمه أعلام الطرق الصوفية، أو تمر مواكب الكهنة والشماسين حاملة صورة القديس (الأيقونة المدهونة بزيت الميرون) وحتي وقت قريب كان يتم الاحتفال بمولد أبو حصيرة اليهودي بقرية دميتوه بالبحيرة إلي أن منعت المحكمة الاحتفال به حيث كان اليهود يحضرون من إسرائيل ويقومون بأفعال غير مرغوبة، وبصفة عامة يشارك المصريون علي اختلاف دياناتهم في الاحتفال بالموالد بدون تمييز.
ويا سلام سلم لو فيه مقام لشيخ من الصالحين في حارة، فيكون من مصادر الرزق لأهل الحارة، ففي الأيام العادية يفتح المقام للزوار ومعظمهم من النساء وكل واحدة لها مطلب، فمنهم من تريد الخلفة (الحمل) ومن تريد الوصال مع من تحب، ومن تريد زيادة الرزق، ومن تريد فك عمل سفلي معمول لها.
خادم المقام يتكسب من الزائرات فهو يباركهن (مع إن عينه زايغة) ويجهز بعض الأحجبة يوزعها عليهم بمقابل مادي.
في العصاري يجلس الرجال من أهل الحارة أمام المقام يلعبون السيجا والكوتشينة ويتسامرون ولا مانع من شرب الشاي والجوزة بالمعسل وأحيانًا البيرة.
وقبل مولد الشيخ بأيام يبدأ أهل الحارة في الاستعداد فيتم تغيير كسوة المقام الخضراء اللون بكسوة جديدة، وبما أن أهل الحارة والحواري المجاورة يصيبهم حسنة من الاحتفال فيتم تنظيف الحواري أستعدادًا للمولد، ويبدأ تعليق الزينات والأنوار.
معظم البائعين في المولد من سكان المنطقة، فمنهم من يبيع الطعام (فشه وممبار ولحمة راس) وما أحلي كلمات صلاح جاهين في الليلة الكبيرة: (استخار واختار فشة أو ممبار… صنف زي الفل)، ومنهم من يبيع الفول والطعمية والبطاطس المقلية، ومنهم من يبيع الحمص والحلاوة وحب العزيز وينادي (حب العزيز الربعة بقرش.. حلو ولذيذ الربعة بقرش). ويبدأ بائع الطراطير الملونة والزمامير في تجهيز بضاعته (فوريرة للعيل)، ويجهز بائع غزل البنات أكياسه، وكل منهم يفرش أمام سكنه، وتنصب المراجيح والزقازيق والبطة، وعربات ضرب البمب ببنادق الرش، وتنصب بعض الشوادر الصغيرة لحلقات الذكر والإنشاد الديني، ويخصص شادر لمطربي المواويل وسيرة أبو زيد الهلالي سلامة.
صباح يوم الاحتفال يرتدي بعض المريدين جلاليب بيضاء وعلى رأسهم عمامة حمراء أو خضراء وعلى وسطهم رباط أخضر، يطوفون حاملين الأعلام مرددين اسم صاحب المقام وعلى سبيل المثال: سيدي عبد الله يا سلطان.. لابس العمة والقفطان.. رافع سيفه ع الكفار، سيدي عبد الله كان في حياته غفير الدرب ومقامه بشياخة عرب اليسار بحي الخليفة.
ومنذ الصباح الباكر يقوم خادم المقام بإشعال البخور وفتح أبواب المقام للمريدين الذين يتمسحون بأعتاب الولي وهم يرددون مدد يا سيدنا مدد، وسرعان ما تأتي النساء للوفاء بالنذور فمنهم من تنذر عيش بفول نابت ومنهم من تنذر أرز وعيش، وعندما تأتي من نذرت بلحم وعيش يتزاحمون حولها للحصول علي النذر وقد يتطور الأمر للمشاجرات.
تزدحم الحارة بالحضور ونسمع فرقعة البمب نتيجة للضرب ببنادق الرش، ويتم تعديل بنادق الرش ليوضع فيها مسمار ينتهي برأس مثبت به بعض الشعيرات الملونة بدلًا من الرش، ويتم التنشين علي دوائر ملونة صغيرة بلوحة مثبتة بالعربة ومن يفلح في إصابة دائرة يكسب قطعة ملبن (يحميك يا بني تبقي غالبني قرب خد لك حتة ملبن).
التعليقات مغلقة.