قصة للنقد : حين ميعاد بقلم عبير توفيق
قصة للنقد : حين ميعاد بقلم عبير توفيق
مساؤكم السعادة أصدقائي:
فلنبحر مع نص جديد لبحار/ ة آخر في عالم السرد، لعلنا نعثر معه على أرض جديدة للسرد.
النص/ حين ميعاد
أفتح دولابى، يقع نظرى على هذا الثوب الجديد المدسوس بين طيات ملابسى القديمة، أقف أمامه طويلاً، أتأمل فيه مفارقات أقدارى، أعود ليوم طُرٕق فيه بابنا وإذا بها ابنة أحد سكان العمارة، ترتدى فستانا جديدا، شَخص له بصرى، وأخذ عقلى، بيدها صُرة من الملابس القديمة، تقول لى: (خُدى الهدوم دى لكم، بابا جاب لنا هدوم جديدة). تلعثمت كلماتى، خانتنى تعبيراتى، أأشكرها؟ أم أعيدهم إليها؟ ارتسمت على وجه أمى ابتسامة باهتة،أخفت وراءها مرارة الفقر الذى رشقنا فى عزتنا، وتركنا ننزف ذلاً وعوزا. أحضرت أمى إبرة لضمت بها خيوط الصبر، انزويتُ ذبيحة النفس فى ركن من غرفتنا المطلة على مسقط السلم، دقائق وسُدت الثقوب المهترئة، كما سُدت ثقوب الأمل فى وجوهنا.
على هامش شعورى نادتنى أمى، خنقتنى عٓبراتى، مزقتنى صرخاتى المكتومة، كررت، (خدى يابنتي افركى بقع الشيكولاته دى).
أجابها صدى صمتى المجروح…
لا يا أمى، سئمنا هذه الحياة، فأجسادنا تتعطش لثياب جديدة وفرش جديدة، أمعاؤنا تشتهى طعاما طازجا غير آنفين منه، أخشى أن يأتى يوم نستنشق فيه أنفاساً مستعملة، حتى من طلب قربى وظننته رجائى فى الحياة البكر، لم تخل خانة حالته الاجتماعية من لقب “مطلق” يا أمى غُرِبَت أرواحنا وشابت مرايانا قبل آوانها. قرأت أمى مابداخلى، اقتربت منى، مسحت على رأسى، قالت لى: (اعذرينى يابنتى ما باليد حيلة، ربنا يفرجها علينا ويبعت لنا رزقنا). أمَّنت السماء على دعائها، أدرَّت علينا بفرصة عمل لى فى ذات اليوم. هِمت بخيالى فى دروب أحلامى، التى تنمو داخلى يوما بعد يوم، شحذت همة الزمن، ضاعفت وقتى وجهدى، تفصد العرق مني، مسحته بمنديل الأمانى، اعترانى إرهاق، لم أبالِ، فغدا سنقطف ثمارنا ونشتم رياحين الكرامة، ازدادت آلامى، همست لنفسى… إنه البرد القديم الذى غرس سمه فى أضلعى منذ طفولتى التى تبعثرت نعومتها على أدراج سلالم العمارات، بين مسح وتنظيف، فاق الألم احتمالى، أخذنى رب العمل لإجراء الفحوصات الطبية، تحاملت وعدت إلى عملى لحين انتهائها، خشيت على لقمة عيشى، فما تقاضيته فى أيام قليلة، لم أكن أحلم به فى يقظتى أو حتى فى منامى، جاءت تقاريرى تخبرنى أن عدوا جبانا تخفى واستشرى بعظامى دون استئذان وقريبا سيسرى الكيماوى بأوردتى، فحوصاتى تنبئ بخاتمتى ومازال القلب شغوفا بالثوب الجديد، وقبل أن يجرفنى طوفان هذا اللعين فى أوحاله، عزمت على تحقيق أحلامى، اتكأت على عكاز أمآلى وعدت محملة بالثياب الجديدة لأمى ولإخوتى، طابت نفسى ونسيت أوجاعى بإشراقة السعادة التى رأيتها فى أعينهم.
تسللتُ بعيدا ألملم شتات نفسى الممزقة بين أفراحها وأتراحها، بين حلم تحقق وواقع بترت منه السعادة، أخذت ثوبى الأبيض المنقوش بأحزانى، ودسسته بين ملابسى القديمة، وها هو الآن بين يدى، سأعيده أدراجه مرة أخرى، لحين ميعاده، فلكل ثوب ميعاد.
سامح الشبة
حين ميعاد :
نص ينبض بالفقر وما يعانيه الفقير من عدم تحقيق أمانيه وأحلامه البسيطة التي يصعب تحقيقها بسبب عدم توفر المادة.
حتى بعد أن ضحكت الدنيا وبدأت الحياة تزدهر أمام بطلة القصة التي كانت أقصى امانيها ارتداء ثوب جديد أتاها المرض وأجلت فرحتها لوقت آخر غير معلوم.
هاني موسى
هذه القصة رائعة منذ قرأتها من ذى قبل فقد جمعت بين كل جماليات وفنيات القصة القصيرة
نيرمين دميس
مقطوعة رائعة بقدر إيلامها، لغة قوية رشيقة في ذات الوقت، تحدثت بلسان كل المحرومين ومن كتب عليهم تعليب أحلامهم المهددة بانتهاء صلاحيتها، أوجعتني عبارة” أخشى أن يأتي يوم نستنشق فيه أنفاسا مستعملة” نعم فلم يعد الأمر مقتصرا على المأكل والملبس، بل حتى العريس المنتظر كان “مستعملا” أو مطلقا يبحث فيها عن عوض ما، لا يبغيها ليعرف معها معنى الحياة.
طيوف من المهمشين الغاليين في مجتمعنا، اعتدنا وجودهم وألمهم وحتى تعاطفنا معهم، وبات ما يعانون مسجونا داخلهم فقط، يمرر أيامهم ويكدر صفو حياتهم، قليل منهم من يستمسك بأي فرصة عابرة كما فعلت بطلة قصتنا، ولكنه القدر الذي يأبى عليها أن تحرر أحد أحلامها المعلبة، فداهمها بمرض لعين، فقررت أن تقتنص الفرصة لآخر نفس، وتحقق حلما بسيطا من أحلامها المحنطة، وتيقنت في أمل الغد واحتفظت بثوبها الجميل وسط ثياب قديمة علها تحيا بوجوده بينها.
طرح جميل شفيف بلغة غنية وإحساس رهيف وخاتمة باعثة للأمل رغم شدة الألم والمعاناة
تحياتي وتقديري للكاتب/ة.
هالة علي
قصة شديدة الواقعية … أحلام مؤجلة، طال أمدها وعندما آن أوان تحققها وأدها واقع مؤلم.
أبو مازن عبد الكافي
بسم الله…
قصة رائعة.. رائعة.. رائعة
موجعة ومؤلمة بقدر روعتها.
حزينة جدا بقدر جمال السرد ورشاقة الكلمات وبلاغتها، واقعية من الحياة.
لكنني تمنيت لو انتهت نهاية سعيدة، مثلما يحدث دائما في السينما المصرية أيام الزمن الجميل.
تحياتي للأديبة التي طوت قلوبنا مع فستانها ودستها معه في دولاب أحزانها.
دام المداد الراقي والنبض النبيل.
حسين عيسى عبد المجيد
حتى المرض القاتل يسكن بيوت الفقراء
نص واقعي حقا
اللغة جميلة جدا والأسلوب أيضا
والقفلة فعلا واقعية
دام اليراع
سيد جعيتم
استاذنا الفاضل / محمد كمال سالم
رؤيتي المتواضعة لنص( حين ميعاد)
تمر علينا نصوص كثيرة بعضها يعلق بالذاكرة منها هذا النص الرائع، واسمح لي استاذنا أن أضع هنا بعض الآيات من سورة البقرة فهي ابلغ ما يقال :
“إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”( الآية ٢٧١)
“للفقراء الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”(٢٧٣)
“الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ”(٢٧٤)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ اللهَ تعالى… يحبُّ الحَيِّيَّ العفيفَ المتعفف.. صدق رسول الله .
كاتبتنا او كاتبنا الجميل دلف لقمة المأساة وقلب النص من اول كلمة ( أفتح دولابى، يقع نظرى على هذا الثوب الجديد المدسوس بين طيات ملابسى القديمة، أقف أمامه طويلاً، أتأمل فيه مفارقات أقدارى)، ذلك الثوب الذي تمنت أن تمتلكه يومًا، واشتاقت له كثيرًا وأبتاعته من راتب أول شهر لها بالعمل وهي تعلم أنها لن ترتديه فقد امسك المرض اللعين بجسدها، أشترته ليرقد وسط ملابسها القديمة .
وينبهنا الكاتب بطريق غير مباشر للألم الذي قد يتسبب فيه فاعل الخير بانتهاجه اسلوب خاطئ يدوس به عزة النفس: (خُدى الهدوم دى لكم، بابا جاب لنا هدوم جديدة).
والحقيقة أحيي كاتبنا علي رشاقة وسلاسة سرده وسهولته في التعبير(ارتسمت على وجه أمى ابتسامة باهتة،أخفت وراءها مرارة الفقر الذى رشقنا فى عزتنا، وتركنا ننزف ذلاً وعوزا. أحضرت أمى إبرة لضمت بها خيوط الصبر، انزويتُ ذبيحة النفس فى ركن من غرفتنا المطلة على مسقط السلم)
اسم القصة مناسب وغير كاشف لها، والكاتب واضح تمكنه من أدواته وتوظيفه الرائع السرد والحوار المكثف
خاتمة القصة طبيعية وأن كنت أتمني أن ينزل الكاتب بجملة(ومازال القلب شغوفا بالثوب الجديد) لنهاية النص، وطبعًا النص ملك لصاحبه ولا يلزمه رؤية ناقد لاي تغير بنصه.
مرة اخري أحيي كاتبنا والشكر موصول للصديق الاديب محمد كمال سالم
أ. محمد كمال سالم
كان هذا النص الإنساني الدافئ للأستاذة Abeer Tawfiik
شكرا لمساهمتك القيمة أستاذة
تعليق الأديبة عبير توفيق
جزيل شكرى ووافر امتنانى لصفحتنا الموقرة الراعية للأدب والأدباء ولأستاذنا الكبير الأستاذ المحترم الذى لم يتوان فى نشر قصتى أستاذ محمد كمال وللأساتذة الأفاضل والأدباء الكبار على بصنماتهم التى زادتنى تشريفا وتمثل لى الوسام المرصع ببصماتهم الماسية على صدرى، لا حرمنى الله مروركم الكريم أبدا
أ. السيد الشيتي
سرد رائع وأُسلوب بديع وتعبيرات جميلة وموجعة فآهات الألم تكاد تسمع أصواتها ونبرة الفرح تكاد تراها تقفز من عين الكاتب”ة لتعبر عن الخروج من دائرة اليأس التى تركت بصماتها على كل شيء فلم تسلم منها حياته(حياتها) تحية من القلب … رائعة من أجمل ماقرأت
التعليقات مغلقة.