“النص الحداثي ….بين الإيجاز ، وفنيات الإبداع “
دراسة تحليلية نقدية لقصة” تــمرد” للأديب أبو مازن عبد الكافي نقد وتحليل أســامة نــور
“النص الحداثي ….بين الإيجاز ، وفنيات الإبداع “
دراسة تحليلية نقدية لقصة” تــمرد” للأديب أبو مازن عبد الكافي نقد وتحليل أســامة نــور
النص:- ” تَــمَرُّد”
بعدَ أنْ أنهْكَتْهُ ألامُ التصدُّعِ؛ قرَّرَ الضغطَ علَى أَعصَابِ صَاحِبِه وإيلَامَهُ كَيْ يشعرَ بمَا أصَابَهُ، فقد سُخِّر في خدمَتِه مُنْذُ نعومَةِ أظافِرِه؛ بينما هوَ يُهْمِلُهُ وَيَتَجَاهَلُهُ ولَا يَأبَهُ بهِ طُولَ حَيَاتِه، لِذَا عَزَمَ عَلَى ألَّا يَجْعَلَهُ يَهْنأُ بطَعَامٍ أَو شَرَابٍ أو نومٍ؛ وَلَمْ يَهْدَأْ في ثَورَتِهِ؛ حتَّى اضْطَرَّهُ للفزَعِ مُهَرْوِلًا مُستغٍيثًا :
أَدْرِكْنِي يَا دُكتُور بِتَسْكِينِ ذَلِكَ الشِّرِّيرِالنَّخِرِ وَتَرْمِيمِهِ وَحَشْوِهِ؛ فقدْ نَغَّصَ عَلَىَّ حَيَاتي .
مقدمة :-
إن القصة في تعريف( طه وادي) “هي تجربة أدبيةتعبر عن لحظة في حياة إنسان، وتقوم على التركيز والتكثيف
ولا يهتم القاص بالتفاصيل”
ويعرف( كانط) الحداثة ” بأنها خروج الإنسان من حالة الوصاية التي تسبب فيها بنفسه، والتي تمثل عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من غيره ” أي أنها استخدام العقل ، وإعلاء الفكر والاهتمام بالتلميح لا التصريح ، مع الدقة والربط بين العناصر،
وبالجمع بين التعريفين السابقين نجد أن القصة القصيرة الحداثية ترتكز على آليات التكثيف ، ومخاطبة العقل وإثارة الذهن ، وإعمال الفكر مع تواجد العاطفة دون طغيانها ..أن يتعايش المتلقي مع القصة بفكره ووجدانه، ليصل إلى مغزاها ، عن طريق الربط بين الأحداث والقراءة الواعية .
فهل تندرج قصتنا هذه تحت مسمى القصة الحداثية وإلى أي مدى تحقق فيها ذلك ..؟
**العنوان إيحاءات ودلالات :-
اختار الكاتب لقصته عنوان “تمرد ” والعنوان مدخل مؤثر في فهم النص ،بل ذهب بعض النقاد إلى أنه نص مصغر يعبر عن مضمون النص الأصلي ،كما أنه مدخل لفهم النص واكتشافه.
والعنوان هنا “تمرد ” كلمة واحدة ،بمعني عصيان ،أو رفض الواقع، …الخروج عن الطاعة ..وهي خبر لمبتدأ محذوف
وحذف المبتدأ يجعلنا نتشوق لمعرفة هذا المتمرد ، وأسباب التمرد ، ونتيجة هذا التمرد ،
العنوان هنا يحمل التشويق ، والإثارة ؛ فهو يحمل الإيحاء
والتساؤل ..ويجعل الكاتب منجذبًا؛ لاكتشاف هذا التمرد ،
وما يترتب عليه من صراع ..
**”مقومات القصة ” العناصر والمضمون “
النص حداثي يعتمد على الإيجاز الشديد ، وأنسنة الأشياء
وإعطائها دورًا فعالًا ، كما إنه ينسج الفكرة البسيطة الذاتية
التي يتشارك فيها جميع الناس ، مما يجعل النص يتماس مع الآخر ، ويثير تفكيره وتساؤله..
فالمتمرد هو الضرس الذي يتعايش مع صاحبه ، في خدمته دائمًا ،ولكن هذا الصاحب لا يبادله الاهتمام من العناية والتنظيف ..فيتمرد على صاحبه بعد أن أصابه التصدع ، واوشك على الانهيار ..
القصة هنا غير محددة الزمان والمكان ؛فالحدث هنا
متشابك في كل الأزمنة والأمكنه ،
إن الحدث هو محور القصة والتمرد هو سلاح الآخر للضغط
والخلاص من الآلام والمعاناة..
ويظهر ذلك في قول الكاتب “
“بينما هوَ يُهْمِلُهُ وَيَتَجَاهَلُهُ ولَا يَأبَهُ بهِ طُولَ حَيَاتِه، لِذَا عَزَمَ عَلَى ألَّا يَجْعَلَهُ يَهْنأُ بطَعَامٍ أَو شَرَابٍ أو نومٍ؛ وَلَمْ يَهْدَأْ في ثَورَتِهِ؛ حتَّى اضْطَرَّهُ للفزَعِ مُهَرْوِلًا مُستغٍيثًا “
والخلاص هنا في الاستجابة ، والرضوخ لهذا التمرد ..
“أَدْرِكْنِي يَا دُكتُور بِتَسْكِينِ ذَلِكَ الشِّرِّيرِالنَّخِرِ وَتَرْمِيمِهِ وَحَشْوِهِ؛ فقدْ نَغَّصَ عَلَىَّ حَيَاتي .”
نتيجة التمرد الإذعان لهذا المتمرد بترميمه وحشوه..
الكاتب يتحدث عن موقف قد نراه عاديًا ، ولكن تبقى فكرة التمرد التي يطرحها الكاتب من خلال شخصنة هذا الضرس
هي وسيلة للرفض ، رفض الواقع ومحاولة تغييره ..
كما أنها تنبيه للإنسان أن الإهمال واللامبالاة ، قد تكون
سيئة النتائج ، ..
**الحبكة الدرامية هنا حبكة درامية متوازية ، فالإهمال
والظلم ..والتقصير في حق الآخر يوازيه التمرد التي يعمل
على نقل الألم والإقصاء إلى الطرف الأول ..
** والأساليب والصور فنيات الإبداع “
**تبقى من وجهة نظري مايلي :-
استخدم الكاتب اللغة السلسلة الواقعية ، واعتمد على التكثيف ، فلم يهتم بالسرد والتفصيل ، لكنه ركز على الحدث
في ماهية الزمان والمكان ..
كما استخدم الأسلوب الخبري للتقرير والتأكيد ..
ولم يستخدم الأسلوب الإنشائي إلا في الأمر أدركني للالتماس ،والنداء يادكتور للتنبيه ،
النص يقوم على أنسنة الأشياء لهذا فهو صورة كلية تخيليه
أعطي الضرس …الإحساس ،القرار والفعل فقد تمرد على صاحبة ..
فنجد “بعدَ أنْ أنهْكَتْهُ ألامُ التصدُّعِ؛ قرَّرَ الضغطَ علَى أَعصَابِ صَاحِبِه”
وكذلك عَزَمَ عَلَى ألَّا يَجْعَلَهُ يَهْنأُ بطَعَامٍ أَو شَرَابٍ أو نومٍ؛ وَلَمْ يَهْدَأْ في..
وكذلك حتَّى اضْطَرَّهُ للفزَعِ مُهَرْوِلًا مُستغٍيثًا
وقد جاءت هذه الصور لتشكل مشهدًا مرئيًا ، فقد تخطت الصورة المستوى السمعي للتشكيل البصري المرئي ..
——؛؛؛؛؛——-
قصة حداثية….تخطت عاملي الزمان والمكان ،تتبنى فكرة ،وتعبر عنها بصورة واقعية يتشارك فيهاالوعي الجمعي
؛لتثير بداخلهم ما يرغبون في تحقيقه في اللاوعي ..
تتسم بالإيجاز والتكثيف ، رغم بساطة الفكرة في ظاهرها
لكنها عميقة في ضرورتها ، في إسقاطها ، وإيحائها ..
**رغم إيجاز النص و هذا من أسرار جماله ..لكن أرى استخدام
“”بينما …لذا”وتكرار العطف” بالواو” والعطف” بأو ” أثر سلبًا على قوة النص وسلاسته .
** نهاية القصة مغلقة ..كاشفة ، صريحة ؛لم تترك للقارئ مساحة للتخيل .
———؛؛؛؛؛؛———
نحن أمام كاتب حداثي مبدع مبتكر ؛يعرف كيف يصوغ فكرته بعمق وإيجاز ..يؤثر على المتلقي بالتشويق والإثارة ،
يمتلك قوة الإحساس ..وعمق الفكر ..
فيحقق الإمتاع والإبداع
تحياتي أسامة نور
التعليقات مغلقة.