موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

أيام أبو منهل بقلم ربيع دهام

89

أيام أبو منهل بقلم ربيع دهام

تأخّرَ “أبو منهل” عن صياحه نصف ساعة، فتأخرّت الشمس عن شروقها نصف ساعة.
صرختِ الشمس بوجه الديكِ :
” ما بكَ يا أبو منهلٍ؟ عيّرتُ استيقاظي على منبّه صياحك فخذلتَني؟ “
أجابها أبو منهلٍ ، شاهراً عُرْفَهُ :
” أنا الذي يحق لي أن أغضب. عيّرتُ صياحي على مقياس شروقك فخذلتِني “.
سمعهما دوّارُ الشمس يتشاجران ، فعاتب الشمس بخجلٍ :
” سيدتي الشمس. وقفت هكذا مثل المومياء أنتظر تحرّككِ كي أدور ، لكنك تأخرّتِ عن موعدكِ نصف ساعةٍ. فانتظرتُ وانتظرتُ حتى كادت رقبتي أن تتخشّب من الانتظار”.
أجابته الشمس : ” لا تصبّ لومك عليّ. بل لم الديك. الديك هو المسؤول عن ذاك. إغضب عليه هو “.
ردّ دُوّار الشمسِ: ” وما ذنب أبي منهلٍ؟ أنا أدوزن إيقاع تحرّكي على عزفك أنتِ، لا على عزف دييييك! “.
احتجّ أبو منهل بعنف : ” دييييك؟! وماذا تقصد بـِ ديييييك؟ أتستخفّ بالديك يا دوّار يا ابن الدوّارة؟ “.
انتصب الدوّار مستشرساً : ” وحدُك الدوّار أيها الخسيس. تدور على الدجاجات، وتتزّوج منهما اثنين وثلاث ورباعاً. ولا تكتفي أبداً بدجاجة واحدة”.
أجابه الديك : ” إهتم أنت بشأنك. ودع شأن دجاجاتي لي. أما كفاني اتهامات الشمس هذا الصباح؟”.
زأرته الشمس:
“عُد إلى قنِّك قبل أن أشويك بكلامي، فتزعل مني زوجتك الأولى أم فايز ، والثانية أم أحمد، والثالثة ، أم سجيع” .
احتدم الخلاف بين الدوار والديك والشمس.
فجأة، يصيح بهم الكائن الإنساني، أبو ملحم، مالك أكبر بناية في الحي :
” أنت! وأنت! وأنت! أرجوكم إخرسوا جميعاً. إسكتوا ولا تنطقوا. واتركونني بهناءٍ أنام. ألا تعرفون أن هذه البناية ملكي؟ ملكي أنا فقط. وأنني أنا زعيم هذا الحي.فلا تُدخلوا صراخكم وشجاركم إلى هنا. هل سمعتم؟”.
استفز كلام أبو ملحم الديك ، فصاح :
” هذه البناية ملككَ؟ أخبرني إذن. لماذا نقشتَ عبارة ” الملكُ لله” على رخام مدخلها؟
هيا أخبرني أيها الإنسان المتذبذب. قل لنا. من المالك؟ أنت أو الله؟”.
“وما الفرق؟”، أجابه أبو ملحم.
وأرفق سؤاله بتهديد جديد: ” عودوا إلى صمتكم وإلا”.
” ومن أنتَ لكي لتهدّدنا؟ “، صرخ أبو منهل.
” من أنا؟ أنا سيّدكم الإنسان” ، ردّ أبو ملحم.
صاح الديك : ” ومن تظن نفسك أيها الإنسان؟ وكيف نصّبت نفسك سيّداً علينا وعلى الكون. يا لغرورك وغطرستك؟ “.
” بل أنا محور الكون” ، أجاب أبو ملحم.
” أيها ا المتعجرف المتعالي؟ أنت بالكاد محور زوجتك بهيجة. وتدّعي أنك محور الكون؟ ألم تقرأ كتب الفيزياء؟ هل تعرف كم مجرّةٍ يوجد؟ وهل تدرك عدد الأكوان الموجودة؟ إذهب واقرأ قليلاً. وكفاك جهلاً وتكبّراً. أنت ومجرّتك هذه لا تساويان نقطة ماء صغيرة في محيط الكون الواسع”.
زمجر أبو ملحم بصوتٍ يشبه هدير الطيران :
” أسكت يا بو مهمل وإلا ذبحتك”.
رد الديك: ” وماذا تفعل غير ذلك؟ تذبح. تقتل. تقطع. تلوّث. تكذب. تنافق. تثرثر. تدّعي المحبة والحب”.
قهقه أبو ملحم مستهزئاً : ” أنت، أيها الديييك تتكلم عن الحب؟ ألم تتزوج ثلاث دجاجات؟ أنت أيها الرومانسي الولهان المُتيَّم بتعدّد النسوان؟ أخبرني. أتحب زوجاتك بالتساوي؟ طبيبٌ عليلٌ كيف الناسَ يداوي؟ “.
أمطره أبو منهل بوابل من الصياح:
” هذا ليس شأنك. لك شريعتك وطقوسك ولي شريعتي وطقوسي. وعندما أتحرّش بنسائك تعال أوقفني”.
” أيها النجس اللعين. سأذبحك إن ألقيتَ نظرةً واحدة على نسائي”.
” أتهددني بالذبح أيها المؤمن الكذوب؟ “.
رمقه أبو ملحم بغضب : ” أنا كذوب؟َ!”
أكمل أبو منهل صياحه :
” نعم. وتظنّني لا أعرف؟ كلُّنا في الحي نعرف. تدّعي الإيمان بالله وأنت لا تؤمن إلا بالمال والعقارات. قُل لي من أين أتيت بعقارك الجديد؟ أليس من صفقة بناء جسر، سرقتَ أنت نصف قيمته؟”.
” إخرس يا صاحب الريش المنتوف. أتغار من عقارات أملكها لأنك بالكاد تملك أطلال قن؟ أسكت. لم أعد أكترث أبداً لك”.
قهقه أبو منهل :
” هههه.. طبعاً لم تعد تكترث لي. أتعرف لماذا؟ لأنك كائنٌ إنتهازيٌ. بوجود الساعة الإلكترونية والمنّبه الآلي، لم يعد يهمّك أمري وصياحي. أنت هكذا. تصادق الكائنات بسبب مصلحة شخصية. ثم تدّعي زوراً أنك أعلى الكائنات؟ صدِّقني أنت أبشعها “.
” مُت في كيدك أيها التعيس. ألم تقرأ أن الله قد جعل الإنسان على صورته؟” ، نهره أبو ملحم.
“وأي صورةٍ هذه؟ عزرائيل؟” ، أجاب أبو منهل.
” تكتّم أيها الديك اللعين. وإلا سبيتُ نساءك وهجّرت صيصانك.
واغتنمتُ قنّك وأمّمته”.
” هيا. أكمل. إظهر ما أنت عليه. ألم أقل أنك في دينك كاذبٌ، وأنك شبه عزرائيل؟”.
واحتدم الشجار بين الديك والإنسان.
وتدخّلت الشمس. وتبعها في الشجار دوار الشمس.
معول فلاح كان يحرث حقله، راح يختلس السمع.
قطيعٌ ذاهب إلى المراعي أزعجته المشادات الكلامية هذه، فتدخّلت في الحديث.
وتشاجرت الأصوات فيما بينها.
الشمس قالت : ليتني لم أشرق.
والديك صاح : ليتني لم أصِح.
والدوار قال : ليتني لم أدر.
والإنسان احتجّ : ليتني لم أستيقظ.
والمعول زأر : ليتني لم أحرث.
والقطيع همس : ليتني لم أرع.
وعلى طنين كلمات ” ليتني” وصوت المنبّه في أذني، استيقظتُ أنا من حلمي.
ما هذا الكابوس العجيب؟
تركتُ مدرجَ الفرشة المريح وطرتُ نحو شباك غرفتي.
أزحت الستارة.
مثل العادة، جدرانٌ بجدران بجدران.
لا فجرٌ أشاهده. لا دوّار شمسٍ أرمقه. لا معولٌ يحكي ، ولا ديكٌ يصيح.
فكّرتُ بصياح أبي منهل في الحلم. فسخرتُ من الديك.
لفحني هواء المكيّف البارد ، فعدتُ لتلك الشمسِ الغاضبة من تأخر الديك.
قلت في نفسي : “ومن يريد تلك الشمس الحارقة بوجود هذه الغرفة الباردة؟”.
رمقتني زهرة إصطناعية كانت في مزهرية، فأقنعتُ نفسي : “على الأقل لا تثرثر مثل الدوّار”.
نظرت لصورة بقرة علّقتها على الحائط، فطمأنتُ نفسي: ” على الأقل، لا تنجب روثاً برائحة نتنة”.
وعدت وجلست فوق سريري.
ابتسمتُ. تنهّدتُ. تفحّصتُ كل الأثاث من حولي وقلت: ” الحمدلله”.
لكني في أعماق نفسي كنتُ أعرف أنني أكذب.
أكذب على أعماقي. أقنعها ببشاعة ما أحنّ إليه.
ربما لمعرفتي بأن ما أحنّ إليه لن يعود.
أو أنني أرفض لو قرّر ذاك الزمانُ أن يعود.
قد اعتدتُ حياتي الإلكترونية الإصطناعية هذه.
اعتدتُ الحصول على الترفِ بكبسةِ زر. والوصول إلى الهدف من دون مشي.
وزيارة العالم من دون سفر.
لكن شيئاً ما كان يدغدغني من الداخل.
شيءٌ ما كان أقوى من كل هذا المورفين الذي أدجّن أحلامي به.
شعرتُ بحنينٍ كبيرٍ إلى أيام البساطة تلك.
لأيام الحقل والبيدر. والدار والبستان.
لأيام السهر تحت ضوء القمرْ.
لرسائل حبً يرسلها نبض القلوب لا كبسات الضجر.
اشتفت أن أغمر حبيبتي، كما في الأفلام، تحت حبات المطرْ.
أن أضم رأسها بصدري. وقرب قلبي.
قلبي هذا النابض بالحياة، لا ذاك الذي أرسله لها على الناتف بنقرة زر.
اشتقتُ لقلوبٍ حقيقية. لضحكاتٍ حقيقة.
لرقصاتٍ حقيقية. لمشاعر حقيقية.
اشتقتُ حتى لأحزانٍ حقيقية.
أحزانٌ لا نسكبها أمام عدسات الكاميرات أو في بطون الشاشات.
وجوه تبكي، ولا تشعر.
دموعٌ تجري ولا تحنْ.
ركنتُ رأسي هناك على الوسادة،أغمضتُ عينيّ علّني أعود إلى الحلم من جديد.
أعود ولو لفترة. ولو لبرهة. ولو لرمشة حنين.
” ألله يرحم أيامك أبو منهل “.

التعليقات مغلقة.