اللبن الصابح …
بقلم سمير لوبه
« اللبن الصابح »
مقعدٌ وطبشورٌ وسبورةٌ ، جرسُ الفسحةِ ضرب ، تلتقمُ الجبنَ بخبزٍ يابسٍ مع وريقاتِ الجرجيرِ وحبةِ طماطمِ ، وإلى جانبِ الحائطِ تجلسُ برفقةِ قريناتِها ، ومع رنينِ جرسِ الانصرافِ تخرجُ مع مثيلاتِها يافعاتٍ إلى بيوتِهن يعملنْ فقد أرضعتهن الحالُ الرضَا بالمكتوبِ ، في الليلِ يتقلبُ أبوها على السريرِ في جلبابِه الأبيضِ ، تلقي بنفسِها على الحصيرةِ ليرقدَ الجسدُ بينَما أحلامُها تحلقُ عاليًا كالطيرِ ، وفي إحدى الأمسيةِ يعجُ البيتُ الريفي بالضيوفِ رجالًا ونساءً ؛ تنطلقُ الزغاريدُ لتزفَها إلى بيتِ الزوجيةِ ، يستمرُ طنينُ النحلِ يتبعُه زنُّ الدبابيرِ ، ومع فجرِ كلِ يومٍ النحلةُ لا تكفُّ عن الطنينِ ، يجلسُ الزوجُ على الكنبةِ في جلبابِه الأبيضِ الناصعِ يلفُه دخانُ سيجارتَه ، في حين تدورُ على بيوتِ القريةِ تجمعُ السمنَ وزجاجاتِ اللبنِ وسلالَ البيضِ ، وأمامَ الفرنِ تلتهبُ وجنتاها حمرةً ؛ تخبزُ الفطيرَ ، تصنعُ الجبنَ لا تجدُ الوقتَ لقضاءِ حاجتِها ، وبينَما يطفئ الليلُ قناديلَه وتتثاءبُ النجومُ في سمائها الرماديةِ تأتي عربةٌ نصفُ نقلٍ ، يقفُ زوجُها في جلبابِه الأبيضِ يدخنُ بينَما هي في جلبابِها الأسودِ يلفُها من تحتِه السروالُ ، تقومُ برفعِ بضاعتِها على العربةِ تتبعُ إرشاداتِ الزوجِ وقد جلسَ على كرسي يدخنُ سيجارتَه يحتسي الشايَ ، وما إن تنتهي حتى تلقيَ جسدَها إلى صندوقِ العربةِ وأسرُّوها بضاعةً ، يربطُها السائقُ مع الأحمالِ ، وتنطلقُ السيارةُ على الطريقِ السريعةِ ، وفي سوقِ المدينةِ تفترشُ أرضَ السوقِ حولَها البضاعةُ غيرُ مكترثةٍ بقيظِ صيفٍ أو برودةِ شتاءِ ، تتهافتُ عليها نساءُ المدينةِ يبتاعون بينَما تلتصقُ بفرشتِها حتى ترتديَ الشمسُ ثوبَ الغروبِ ، تأتيها العربةُ لتحملَ أوانيها وسلالَها الفارغةَ فترمي جسدَها المرهقَ في صندوقِ العربةِ ، تتوقُ لحمامٍ ونومٍ هانئ ، تحطُّ العربةُ أمامَ البيتِ فإذا بزوجِها قادمٌ من عندَ الحلاقِ وقد هذبَ شعرَه ونمقَ شاربَه يفوحُ منه عطرُ الكولونيا ، يمدُّ يدَه يلتقطُ منها كيسَ نقودِها ؛ يرسلُ ابنَه ليشتريَ له علبةَ السجائرِ الفاخرةِ في حين تحملُ على رأسِها الأواني والسلالَ الموحلةَ ترميها على أرضيةِ الزريبةِ ، يخرجُ الزوجُ من حمامِه فتندفعُ إلى داخلِه تفرغُ مثانتَها التي توشكُ أن تنفجرَ، في حجرتِها الزوجُ في جلبابِه الأبيضِ الناصعِ يدخنُ سيجارتَه وما إن انتهى منها حتى ألقى بعقبِها على الأرضيةِ غيرَ مكترثٍ ، تلقي جسدَها المنهارِ على الحصيرةِ تحملُ في حناياها صراخًا صامتًا ؛ تنامُ حتى يتبينَ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجرِ لتطيرَ إلى بيوتِ القريةِ تجمعُ السمنَ وزجاجاتِ اللبنِ وسلالَ البيضِ وأمامَ الفرنُ تخبزُ الفطيرَ وتصنعُ الجبنَ استعدادًا للسوقِ ، بينَما الزوجُ يتقلبُ فوقَ السريرِ في جلبابِه الأبيضِ الناصعِ ، مازالَ طنينُ النحلِ مستمرًا يتبعُه زنُّ الدبابيرِ .
بقلم سمير لوبه – الإسكندرية
التعليقات مغلقة.