موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حكايات جدّتي. بقلم عبدالرحيم خير

103

حكايات جدّتي. بقلم عبدالرحيم خير

جدّتي-حفظها الله- قاربت التسعين…

كلٌ من يسمع هذا الرقم يقول كقولك

الآن: التسعين..!

وهم أيضا مثلك، خطر ببالهم ما خطر ببالك

أنت، من أنها لا تسمع أو أنها تسمع بصعوبة

، كثيرون سألوني هل هي قعيدة؟ وآخرون

قالوا أعانكم الله على خدمتها، أكيد أنتم لاتستطيعون فراقها.

هؤلاء صدقوا؛ نحن حقا لا نستطيع فراقها

لشدّ ما تمتع به أوقاتنا من عجيب الحكايات..!

يتوسط بيتها منازل القرية على الشارع الكبير، تعرف جميع المارة وتحدثنا عنهم بأحاديث لانعلمها، ونحن من نخالطهم ونتعامل معهم.

في كل صباح تجلس على أريكة خشبية تحطمت قوائمها من كل جانب، وكذلك مداداتها الخشبية المعدة للاتكاء، تستند على رجلين خشبيتين، ورجلين من الطوب الأبيض كي لاتميل، ومن الخلف تستند على حائط قديم من الطوب اللبن.

تحمل بيدها “منشة” لاتستغني عنها

حتى في أيام الشتاء، وباليد الأخرى عصا طويلة من جريد النخل الناشف، خلت من السعف.

لا يسلم من لسعات عصاها وسقطاتها المفاجئة، ولسانها الحاد أحدٌ، حال مر ولم يسلم.

تنبه كلَّ من يمر لسعةُ عصاها الطويلة التي يساوي طولها عرض الشارع تماما ولسعات لسانها الأشد.

_ السلام لله.. أم أنكم عميتم لاترون، وأنتَ لماذا تلتفت يمينا وشمالا “شكلك حرامي” وأنتِ تحشّمي قليلا نصف شعرك ظاهر .

يُعنَّف كل من يمر دون أن يلقي السلام، أو من تُلقي عليه السلام وينشغل عنها، أصبحت كإشارة المرور كل من يمر يجب أن يتوقف عندها ويطلب أمان المرور والعبور.

تعرف جميع المارة، تحاكيهم وتسألهم عن

الأحياء منهم: أمك (فلانة) كيف حالها وجدتك ( فلانة) صحيح لسانها طويل لكن طيبة، أبلغهم سلامي.

ثم تستطرد في الحكايات والذكريات التي جمعتها بهم، أما الموتى فإنها تذكر مناقبهم :

(فلان) من خيرة الناس الله يرحمة و

(فلانة ) الست ( الكُمّل) وتهيم تحكي عنها.

لاتنسى أحدا، يخشى من تحادثه أن يفوته ماخرج لأجله، البعض ممن لايعجبونها يخشون المرور أمامها هربا من سُخريّتها، وآخرون يفضلون العبور من الشارع البعيد تجنبا لعصاها ولسانها.

في كل يوم نحمد الله أنها لاتحادث الجمع بما تحادثنا به عن رجال القرية ونسائها، وإلا حدثت مصيبة…!

كل حكايات القرية تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب، الزواج والطلاق، الأحزان الأفراح والمشاكل، أحيانا نطلب منها السكوت خوفا من الإحراج، تمازحنا قائلة: لاتظنوا أني خرّفت، ليس كل مايُعرف يقال.

حين يختلف الناس في اسم فلانه جدة فلان التي ماتت قبل التوثيق، ما اسمها؟ ومن إخوتها؟ وكم عاشت من العمر؟ يأتون إليها يستفتونها فتخبرهم بأدق التفاصيل حتى باتت تعرف في القرية” بالسجل المدني” لكثرة ماتحفظ من الأرقام والتواريخ والأسماء والحكايات.

نجتمع عندها كل يوم في المساء لنستمع الحكايات، ومن بين أحفادها أذهب مبكرا وأجلس بجوارها نتأمل الغروب، حين تقترب الشمس أن تودع الدنيا على أمل العودة واللقاء.

في المنزل المقابل وفي نفس المعاد تطل بجمال القمر من الشرفة المجاورة لتنير دنيايَ، تنظر جدتي تتأمل لهفتي وشوقي لرؤيتها، تقول: ها قد ظهر القمر، ثم تردف:

لئيم أنت لم تأتِ لتؤنس جدّتك وتسمع حكاياتها،

تذم شفتيها: لأجل الورد…

تنظر إليّ من خلف ستارة لا تظهر إلا نصف وجهها المشرق وتبتسم، أرد تحيتها بهدوء.

من بعيد أنظر في عينيها العسليتين وابتسم ، ألوح لها أن تنزل، تشير بيدها أن انتظر لم يحن الوقت، تغادر مسرعة وقبل أن يلحظنا أحدٌ.

أحزن عندما تغيب، فتعقد جدتي حاجبيها وتقول وهي تحرك منشتها بحركة دائرية كأنها تهش عن وجهي البؤس والحزن:

فتنة نحن ياولدي، أياك أن تتعلق.

تمسك عصاها وتربط خيطا صغيرا في طرفها لفّتهُ حول نهايتها كي لا تجرح يدها، تلوح بها، تجرّبها، وتستطرد:

النساء آه من النساء، متغابيات يحببن أن يسمعن ماهن متأكدات منه… صارحها، لا تتردد

_ ولكني أخشى….

تقاطعني:

_ لاتخشَ شيئا، هي تحبك .

أبادرها متعجبا، حقا …. ! من أدراك ؟

هل قالت لك شيئًا؟

تمسك خصلات من شعرها الثلجي شديد البياض تشدّه وتقول: شاب من كثرة ماعرفت وسمعت،

مالا تحب النساء قوله يبدو في أعينهن، لكنكم لاتفهمون، أنتم معشر الرجال لاتفهمون.

تصمت لحظات أرْجِع فيها بصري ناحية الباب الذي

تحرك مزلاجه، أترقّب خروجها.

تلحظني جدتي فتقول: في زمانكم كل شيء سريع لا تتأخر صارحها بحبك.

_ وفي زمانك؟

_في زماني كان العشاق من أشقى الناس.

يشتاقون ويكتمون، لا محادثات ولا اتصالات

ولا لقاءات …

قد يحب أحدهم فتاة ولايقدر على رؤيتها إلا بعد أن تصبح زوجته، تطوح العصا في الهواء، أو ربما رآها يوم زفافها إلى غيره.

_ وأنتِ هل أحببت ؟!

تضحك ملء فمها فتلمع أسنانها الذهبية، كأنها تذكّرت شيئًا.

_ هل كان جدي؟. أم رجل غيره، وفرق بينكم النصيب؟!

ترد ممتعضة تستعظم سؤالي وتقول بنبرة مستنكرة : غيره..!

تملأ رئتيها من الهواء وتتنهّد: الزمان ياولدي غير الزمان.

يوم كنت صبية تسابق الرجال لخطبتي

كنت مدلّلة، وحيدة أبي وإخوتي سبعة من الذكور الوسماء الأشداء، كلما تقدم أحدٌ لخطبتي قامت قيامة إخوتي، وثارت ثورتهم كلما رفضت.

وقالوا: لارأي للبنات عندنا، يجب أن نزوجها من يليق بنا.

أبي هو من يتصدى لهم ويردعهم: إن لم توافق فلن أزوجها لأحد، حتى تقدم جدك فوافقت

تسرح بعيدا، آه: أعدت إليّ هذه الأيام والذكريات.

الحب في زماننا غير هذا الزمان.

في زماننا ربما عاش الأحبة أجمل قصص الحب دون أن يقول أحدهما للآخر أنا أحبك.

حب الأرواح ياولدي هو الذي يدوم.

بينما كانت تحكي انفتح الباب ببطء خرجت تتهادى فلمع وجهها في عيني كأنها شمس الصباح أشرقت من جديد.

كان الشارع يخلو سوى من نظراتي التي تتأمل خطواتها، نظرتْ إلينا مبتسمة سلمت ومرّت، صمتت جدتي وتوقفت عن الحكي كانت تتأمل لهفتي وتتعجّب..!

داعَبتْها قبل أن تمر بكلمات لم أسمعها، كنت أرقب خطواتها، بينما كانت جدتي تتحسس عصاها ودون أن أشعر سقطتْ على جسدي، غمزت لي وقالت: هيّا الحق بها قبل أن تغادر، مالك أنت وحكايات العجائز؟!…

التعليقات مغلقة.