دماء دافئة قصة قصيرة بقلم جمال الخطيب
الكلاب تكف عن النباح في الخوف، تشم رائحة البارود فتصمت، يصيب البيوت العتيقة الوجوم، فتلتحف العتمة.
طوردت الجثة منذ فجر البارحة، همس لهم من كان يحرسها :
لا أعرف من صاحبها، قتل أثناء محاولته إنقاذ أحدهم، رصاصتان في الظهر من بعيد، فتكوم فوقه.
تحت حظر التجول تختبئ القطط..تنزلق الدبابات في العتمة، تطفئ أنوارها ومحركاتها، تصدر المكابح صريرا مكتوما، هي خائفة ايضا . للخوف رائحة تشمها الكلاب.
سنسير عندما تدور المحركات، قال لرفاقه..
من لا ينتعل حذاء رياضيا فليمش حافيا، وقع الأقدام على الأرض هو الفاصل بين الموت والحياة، هم يعرفون الطرق ، ونعرف نحن الازقة .
جثث الشهداء لينة مطواعة، تمشي معك بخفة، كان يرتدي قميصا خشنا داكنا، وصندلا جلديا تخرج منها أصابع قدميه بوضوح ..لطالما استغرب كيف يسير الناس بهذه الصنادل الجلدية المفتوحة، أحد أصحابه كان ينتعل واحدا مثلها، وكثيرا ما حاول الدوس على أصابعه ممازحا.
عندما رفعوه عبقت رائحة خفيفة تشبه رائحة الدم .
همس الحارس :
كنت في حراسة الجثة منذ الفجر، ويجب ان اترككم الآن ..وعليكم انتم الباقي، هو لا يُصلى عليه، يُدفن في ملابسه كما هي، سيعرف أقاربه أين هو بعد يوم لا أكثر.
وضعوه فوق بطانية سوداء، امسك كل واحد بطرف، أشار إليهم بيده وأسقطها جانبا، فمضوا مع ضوء القمر نزولا كظلال.
كانوا خمسة، ارخت الأزقة لهم آذانها وعتمت جدران البيوت عليهم، وهبت ريح معاكسة شتت حفيف الأقدام.
المقابر في المدن تشبه أبراج الحمام الواطئة من بعيد، لها فتحات مربعة كنوافذ بعضها فوق بعض، تكسبها ظلال الأشجار المتعالية مهابة، و ممرات ضيقة تعطيك إحساسا بالأمان .
تخندق على باب فتحة الفوهة الثالثة، وعندما رفعه الأربعة الباقون إلى مدخلها، مكن يديه تحت إبطيه وجذبه إلى الداخل، فعلقت بأصابعه رطوبة دافئة .
مد أحدهم ولاعة وأشعلها داخل القبر..قال أضجعه على جانبه الأيمن، وعندما خرج اصطدم جسده بقدميه، وضع اليمنى فوق اليسرى بإجلال، وتساءل، كيف يسير الناس بصندل يكشف أصابع أقدامهم !! .
قبيل الفجر ألقى بجسده منهكا على السرير، ولحظة الغفو قفز من الفراش ..
كانت ضحكة صاحبه عبد الرحمن تجلجل في أذنه :
قد اعتدت ان انتعل هذه الصنادل .
التعليقات مغلقة.