فى مدينة الثغر كانت حكايتى بقلم هانى موسى
كان عدد أسرتنا كبيرا ، و كان راتب أبى لا يحقق كل أحلامنا لكن كان التنافس على العلم والتفوق على الأقارن هدف كنت أسعى إليه كغالبية أبناء جيلى ، ربما لأسباب كثيرة أهمها أن الأسرة كانت تردد دوما نجاحات المتفوقين علميا و وصولهم إلى أعلى المناصب وتحقيق المنصب و الثراء بتفوقهم العلمى وكان نفس الكلام هو ما نسمعه من المعلمين بالمدارس ثم الجامعة وهو نفس ما يحفزه بداخلنا الالتفاف حول شاشة واحدة نرى فيها مسلسلات أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوي وخيرى شلبى وغيرهم وهو هو نفس ما وجدته من شيخى رحمة الله عليه الشيخ “محمد زغلول ” فى مسجد القرية الذى علمنا وأدبنا وغرس بداخلنا كل قيمة طيبة قبل أن يعلمنا الصلاة والصيام وحفظ القرآن ؛ من كل تلك العوامل ومن رحم المعاناة المادية كان السعى نحو تحقيق الذات .
…كان أخى الأكبر يعشق قراءة الجرائد اليومية ويعود من عمله كل يوم وهو يطوى بيده أكثر من جريدة ولكن الأهرام كانت شيئا أساسيا من بينهم ، فعرفت كبار الكتاب وعشقت كتابات فهمى هويدى والعوا وقصص عبدالوهاب مطاوع وأشعار فاروق جويدة ومقالات الصوفية لأبوالوفا التفتازانى وغيرهم الكثير ، فمن هنا أحببت مهنة الصحافة والبحث عن المتاعب وتمنيت أن أكتب وتوضع صورتى على صفحات الجرائد المعروفة ويشار إلىّ بالبنان .
وما أن انهيت دراستى الجامعية بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة طنطا و بعد أن تبخر حلمى بأن أكون معيدا بالكلية؛ صممت فى ذاتى على تحقيق شيئا ما كان يراودني و هو أن أكون فى بلاط صاحبة الجلالة ؛ وما أن وجدت إعلان ينّوه عن الحاجة لمحررين صحفيين لجريدة تسمى “إسكندرية المستقبل ” حتى طارت جوارحى إلى مدينة الثغر أتحسس أحلامى هناك ؛ حينها استقبلنى رئيس التحرير الأستاذ ” محمد بسيونى” بكل ترحاب وكذلك مسؤلة العلاقات العامة ( فاطمة ) وكل القائمين على العمل هناك حقا أحاطوني بكل تحنّان و احتواء وللحق طبيعة أهل هذه المدينة هى الطيبة والألفة وشهامة أولاد البلد ولم لا وبها يقطن الكثير من أهلى .
هناك تعلمت كيفية صياغة الخبر الصحفي وكيف أقابل السادة المسؤولين ودبلوماسية التعامل التى تناسب هذه المهنة بعدما ذلل لى أصحاب الجريدة كثير من الصعاب بالتعرف على المكتب الإعلامي بمقر محافظة البحيرة فبدأت أتعرف على هذا وذاك وأرتدى أكثر الثياب أناقةً مع بهاء الشباب وطموحاته الجامحة فخالط مهجتى أحيانا الكِبَر وبدأت أزهو بنفسى وأنا أحمل حقيبة الصحفيين فأدنو بحلمى فأكاد ألامس السحاب ؛ وعلى الرغم من عناء السفر كل يوم فى القطار من مدينتي ( مدينة إيتاى البارود ) إلى الإسكندرية ( عاصمة الفن والجمال) والعودة متأخرا إلا أن سحر مدينة الثغر وأضواءها البراقة التى تلامس القلوب وحبى الشديد لهذا العمل كانا يدفعانى بشدة إلى الأمام وأنا أرى اسمى وصورتى فى الجريدة ويشاركنى فرحتى أهلى وأصدقائي.
…لم أنس أبدا هذا المكان وكم تجذبنى الذكريات كلما أذهب هناك فى زيارة لمدينة الثغر لعبق هذا المكان(عمارات الضباط بكوم الدكة) والتى كان بها مقر جريدة ” إسكندرية المستقبل” وجمال السفر ليلا بحثا عن حلمى طوال عامين والكل يشيد بإنجازاتى وقلمى حتى كان للقدر أحكام أخرى بأن أترك مهنة الصحافة وأبحث عن حلم أخر فى مدينة القاهرة ومازالت الرحلة مستمرة خلف الأحلام .
التعليقات مغلقة.