معن بن زائدة3 ” الطريد “…
مدحت رحال
معن بن زائدة _ ٣
الطريد
هذا الجوهر وهبته لك
ووهبتك لنفسك ،
هل تصدقون أن صاحب هذه المقولة / عبد أسود ،
رزقه عشرون درهما في الشهر ؟
في تعريفي بشخصية / معن بن زائدة ،
نهجت على عكس ما جرت به العادة من التعريف بالشخصية ، ومن ثم ذكر مآثرها أو مثالبها ،
ذلك بأن أخبار معن في الحلم والجود ، غلبت على من هو معن ، وخاصة البيت :
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فبدأت بما اشتُهر به من حلم وجود بمقالين كمثال ،
وما أكثر ما اشتُهر به معن في ذلك ،
وها أنا ألتقي بمعن ، الشخصية
والطريف أن صديقا سألني :
هل كان ذلك في الجاهلية أم في الإسلام ؟
مما أكد لي أن اخبار حلم معن وجوده كانت الأشهر .
هو معن بن زائدة الشيباني ،
وكم قدمت / شيبان من رجال على اتساع الزمان والمكان ،
فمنها : هانىء بن مسعود الشيباني _ صاحب ذي قار
ومنها : هانىء بن قبيصة الشيباني _ حفيد هانىء بن مسعود الشيباني .
ومنها : بسطام بي قيس _ سيد بني شيبان ،
ويضرب به المثل في الفروسية ، فيقال : أفرس من بسطام
كان معن بن زائدة من أمراء / يزيد بن عمر بن هبيرة ، والي العراقين لبني امية ،
ولما دالت دولتهم واستقر الملك لبني العباس ،
كان معن بن زائدة أحد المطلوبين وبشدة ،
وقد ألح الخليفة العباسي / أبو جعفر المنصور في طلبه ،
ووضع جُعلا كبيرا من المال لمن يأتيه به .
واضطر معن إلى التخفي واللجوء إلى البادية هربا من وجه المنصور .
ولما خرج الراوندية والخراسانية على المنصور ،
واشتد الأمر عليه ،
ظهر رجل ملثم دارع ،
ودافع عن المنصور وقاتل الراوندية وتغلب عليهم .
فقال له المنصور : ويحك من تكون ؟
فكشف لثامه وقال:
أنا طلبة أمير المؤمنين / معن بن زائدة .
فسر به المنصور وقدمه وحفظ قدره .
وقد قُتِل معن بخراسان ،
قتلته الخوارج غيلة وغدرا .
ولنستمع إلى معن يروي لنا قصته وما كان من عجيب امره .
يقول :
اضطررت لشدة الإلحاح في طلبي إلى التعرض للشمس حتى لوحَت وجهي ،
ولبست جبة صوف ،
وركبت جملا
وخرجت متوجها إلى البادية لأقيم فيها مختفيا عن الأنظار ،
فلما خرجت من باب / حرب ، أحد أبواب بغداد ،
تبعني عبد أسود متقلدا سيفا ،
فقبض على خطام الجمل وأناخه ،
وقبض على يدي ،
فقلت له : ما بك ؟
قال : أنت طِلبة أمير المؤمنين
فقلت له : ومن أنا ؟
فقال : أنت معن بن زائدة
فقلت : يا هذا اتق الله ، أين أنا من معن ؟
فقال : دع عنك هذا ، فوالله إني لأعرف بك من نفسك ،
فلما رأيت الجد منه ،
قلت : هذا جوهر قد حملته ، ويساوي أضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي ،
فخذه ولا تكن سببا في سفك دمي ،
فأخذه ونظر فيه
وقال : صدقت في قيمته ،
ولست قابله حتى أسألك عن أمر ،
فإن صدقتني القول أطلقتك ،
فقلت : تكلم
فقال : إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني ،
هل وهبت مالك كله ؟
قلت لا
قال : فنصفه أو ثلثه ؟
قلت : لا
حتى بلغ العُشر ،
فاستحييت وقلت : أظن أني فعلت ذلك ،
فقال : وما ذاك بعظيم
أنا والله رجل رزقي من المنصور / عشرون درهما في الشهر ،
وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير ،
وقد وهبته لك ، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور ،
ولتعلم أن في هذه الدنيا من هو أكثر جودا منك ،
فلا تعجبك نفسك ،
ولتحقرَ بعد هذا كل جود فعلته ،
ولا تتوقف عن مكرمة ،
ثم رمى عقد الجوهر وولى منصرفا ،
فناديته : يا هذا
والله لسفك دمي أهون علي مما فعلت ،
فخذ ما دفعت لك فإني عنه غني ،
فضحك وقال : أردتَ أن تكذبني في مقالتي !
فوالله لا آخذ لموقف ثمنا أبدا .
ومضى لسبيله ،
وقد طلبته بعد أن أمِنت
وجعلت لمن يأتي به ما يشاء
فما عرفت له خبرا
وكأن الأرض ابتلعته !
قلت معقبا على القصة :
هذا هو الجود من عبد فليت لنا
في ذا الزمان عبيدا مثله سودا
مدحت رحال ،،،
التعليقات مغلقة.