ولا تنس نصيبك من الدنيا
بقلم.. محمـــد الدكـــروري
إن الإنسان المسلم العاقل من كرامته على الله تعالى لا يشتت خاطره في أمور الدنيا ومشاكلها وشواغلها الكثيرة، وييسر له أموره كلها، ويجعل له من كل ضيق فرجا ومن كل هم مخرجا لأن من كانت الآخرة أكبر همه كان من المتقين، والله تعالي يقول ” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” ويقول سبحانه وتعالي ” ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا” وليكن معلوما أن من انشغل بالدنيا أو انشغل بالآخرة يأتيه من الدنيا ما كتب له، ولكن من كانت الآخرة أكبر همه تأتيه الدنيا وهي ذليلة لأنه غير متعلق بها ولا متطلع إليها، بل ما أتاه شكر الله عليه واستعمله فيما يحل، وما فاته منها لم يحزن عليه لأنه يعلم أنه ليس له لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
“أيها الناس اتقو الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم” أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا من طريق حلال، ولا تبتغوا الرزق بالحرام، والله عز وجل يقول “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا” وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى، أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة، في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة “ولا تنس نصيبك من الدنيا” أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، فآت كل ذي حق حقه”
وقد ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى “ولا تنس نصيبك من الدنيا” أنه رضي الله عنه قال أن تعمل فيها لآخرتك، وقال عون بن عبد الله إن قوما يضعونها على غير موضعها، ولا تنس نصيبك من الدنيا أي تعمل فيها بطاعة الله، فالآية ترشدك إلى تغليب الآخرة على الدنيا وخصوصا عند التعارض، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة ” لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” فتأتي هذه الأمة فتشهد مع الشهود، ثم ماذا؟ ثم يأتي الله سبحانه وتعالى من كل أمة بشهيد، وهي كل أمة عاشت على هذه الأرض يقدّمون شهيدا من شهداءهم، فيشهد أيضا في ذاك المقام، فكيف بك إذا قمت بين يدي الله عز وجل، وتحقق ما قال الله تعالي في سورة النساء ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد”
أي من كل أمة يأتي الله عليهم بشهيد، لكن من الذي يشهد على أمة محمد صلي الله عليه وسلم؟ فمن الذي يشهد علينا؟ ومن الذي سيختاره الله سبحانه وتعالى شاهدا على هذه الأمة ؟ فيقول الله تعالي في سورة النساء ” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيدا” فإنه لا يختار الله تعالي للشهادة على هذه الأمة إلا سيد الأولين والآخرين، إلا إمام الناس يوم الدين، فكان صلى الله عليه وسلم إذا قرئت عليه هذه الآية، أوقف القارئ، وأخذ يبكي صلى الله عليه وسلم من مقام عظيم، تذرف عيناه صلى الله عليه وسلم لعظيم هذا المقام، إذاً ماذا سيكون ؟ أكملوا الآية، وقد أوقف صلى الله عليه وسلم القارئ قبل أن يقرأها، فيقول سبحانه وتعالى ” يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا”
أي يود كل عاصي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، يتمنى الواحد لو أن الله تعالي سوى به الأرض، لو أن الله جعله والأرض سواء، عندها يقول ” يا ليتني كنت ترابا” وإذا بوفود الشهود تفد على الله، وأنت قائم بين يديه، فمن الذي سيشهد بعد هؤلاء ؟ وإذا بملائكة الله سبحانه وتعالى تتقدم للشهادة، ملائكة الرحمن سبحانه، لم يعصوا الله سبحانه وتعالى ما أمرهم، بل هم الذين يبادرون فيفعلون ما أمرهم الله، فتتقدم الملائكة للشهادة، واسمعوا لموقف شهادة الملائكة فإنه موقف عظيم، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة يوم القيامة، في سورة اليوم الآخر في سورة ق ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد” فإن هذه الصدمة الأولى، والصدمة الثانية، يقول تعالي ” ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد”
والصدمة الثالثة، والفجيعة الثالثة، يقول الله تعالي ” وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد” يسوقك ملك، ويشهد عليك ملك، يا الله هذا الذي وكلتني به، وإني لصادق أمين، يا الله هذا الذي استشهدتني عليه، وإني لما قال وفعل مبين، يا الله، كان يفعل كذا، وكان يعمل كذا، كم مرة استتر من أعين الناس ليأكل فيها الحرام الذي حرمت، وكم مرة اختفى عن أعين الناس لينظر وليسمع الحرام الذي أثمت، ويشهد عليك الملك بين يدي الله رب العالمين، فإذا بك تنظر أمامك، أمامك ملك يسوقك إلى الله، فإذا بك تنظر خلفك، وخلفك شهيد من الملائكة يشهد عليك بين يدي الله، وتفد الشهود، ويأتي العلماء ليشهدوا كذلك، فيقول تعالي في سورة الروم ” وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلي يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون”
التعليقات مغلقة.