موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

قراءة في قصة قصيرة: “العائدون” للأديبة السوريّة ﻋﺒﻴﺮ عزاوي بقلم: عاشور زكي وهبة

383

قراءة في قصة قصيرة: “العائدون” للأديبة السوريّة ﻋﺒﻴﺮ عزاوي بقلم: عاشور زكي وهبة

” هل كان علينا أن نقطع كل هذا المدى لنعود.؟

يا إله السموات! “

تقول ندى بلثغتها المحببة لحرف السين، أقلدها فترميني بشرر نظراتها، أضحك، فتهتز السيارة التي تقل أهلي وأهلها، تديم ندى النظر إلي؛ أطير محلقاً من فرط السعادة.

ندى رفيقة طفولتي منذ مجيئنا إلى المخيم، وهي الآن شريكتي في الأسرار.

كان باب خيمتها مقابلا لباب خيمتي، اعتادت أن تخرج لتشهد لحظة شروق الشمس،

لا أكاد أسمع جلبتها عندما تخرج ،و تئن أصوات الحصى تحت قدميها حتى أخرج كارجا متعثراً كل مرة؛ ألعن الحصى الذي فرشوا به المساحات الفاصلة بين الخيام لكي يخف طين فيضان مياه الأمطار التي تغمر المخيم كل شتاء .

أهبّ من نومي، أقفز قفزتين، فأصير قربها، نركض معا بسرعة وخفة ولانتوقف حتى نصل إلى أعلى التلة وراء الخيام، نشبك أيدينا ونقف منتظرين تلك اللحظة بخشوع من يصلي.

الشعاع الذي يبدأ بغمر التلال البعيدة قبيل إشراقه يتقدم باتجاهنا، يصل إلينا رقيقاً يحملنا على أثيره كعهده منذ سنوات ونحن نكاد نذوب في غمرته الندية ، أقول لندى :

‏-” إنه يتعثر بنا”.

وبدلا من أن أبوح لها بالسر أهمس :

– “إنه يشبهك! “

فتضحك وتقول:

-” كيف يشبهني؟! “

– “مثلك…. يلثغ بحرف السين”

تعبس وتقول بصوتٍ غاص في حلقها:

-أنا لا ألثغ.

ذلك الحرف بغيض”

أخفف عنها همّها فأقول:

-“انظري إلى ذلك الشعاع هاهو ينساب عند مروره بالسهل انتظري حتى يقترب، وراقبي ما سأفعل.

ولكي أزيد تشويقها و أستمتع بإبهارها، أقرّب صوتي من أذنها وأهمس :

– حين يمر من فوقك،. الفظي اسمي”

يرتسم الشعاع كقوس فوقها فتهمس:

-” مثعود “

أبوح لها بالسر:

– “أعدك أن نعود إلى الوطن وسآخذك إلى بيتي .”

تضحك ملء قلبها؛ وأنا أصير كتلة من النور تتقافز حولها

وكعادتها في مثل ذلك الموقف تحاول أن تضربني بأطراف أصابعها المنفرجة قليلاً لكنها تمر من خلالي فيمرق من بينها ضوء خجول.

تعود ندى راكضة إلى المخيم. أتبعها لكنها دوماً أسرع مني .

أصطدم بها واقفة تنظر بذهول إلى الخيام التي أخذت تتهاوى والناس يلهثون وهم يطوونها ويجمعون أغراضهم ويحمّلونها فوق عربات الشحن .

– “لقد حان وقت العودة للوطن . “

يقول جدي بصوت مخنوق بالبكاء.

شهقة طويلة تعلق في عيني ندى الواقفة بلا حراك

وأنا أقف قبالتها أرقب مايحدث، أخت ندى تسرع للملمة أغراضها ووضعها في كيس بلاستيكي من أكياس طحين المعونة الفارغة. أختي تحاول تقليدها لكنها لا تملك الكثير من الأغراض لا ألعاب ولا كتب ولا دمى قماشية؛ تملك فقط دموعها التي لم تتوقف من بعدي.

قطتي سالي تحوم بين الأقدام. ثم تقف مقابل ندى تنظر إليّ وفي عينيها فرح غامض، ربما تراني هي أيضاً.

وجدتُ سالي في الشتاء الماضي، كانت تدور حول بركة الطين أمام خيمتي، وهي تموء جائعة ..حملتها ولففتها في كنزتي أطعمتها حصتي من طعام الفطور، صارت رفيقتي، ولا أدري حينها كيف خطر لي أن أقطع لها وعدا مثل الوعد الذي قطعته ل ندى بأنني سأعود بها إلى بيتنا في الوطن .بيتنا الذي أعرفه جيداً رغم أننا خرجنا قبل تسع سنوات و شهرين وثلاثة أيام.كما تقول رزنامة جدي وكان عمري حينها يقل بشهر واحد عن سبع سنوات .

يكتمل تحميل السيارات ؛ تنطلق في رتل طويل سريع . السيارة التي تقل أهلي وأهل ندى تنوء مثقلة بحملها، تسترق ندى النظرات إليّ وتبتسم بخفر ، وهي تهمس بعبارتها مرة أخرى فأسمعها لوحدي :

-” هل كان علينا أن نقطع كل هذا ..لنعود.”

ينظرون إليها وهي معلقة البصر في الهواء هم سلموا منذ زمن بعيد أنها فقدت عقلها لكنهم لايعرفون أنها كانت تنظر إلي؛ إلي فقط وتبتسم.

أتأملها وهي مغمورة بشذرات من ضوءي فتبدو مثل سنبلة مشرقة.

سالي تتكوم في حضنها، عيناها تبرقان وإلى جانبها ترقد حمامتان بيضاوان كنت قد حصلتُ عليهما منذ عامين مكافأة على حمل أغراض فهد ابن عم ندى. وعربون امتنان على ضرب ناجي وأنور أخوي ندى اللذين يتنمران عليه دائماً؛ هو لايقوى على الرد عليهما فأتولى أنا ذلك. كما أتولى كتابة وظائفه التي يكلفها به شخص أحضره والده ليقوم بتعليمه.

والده أي عم ندى هو كبير المخيم الجميع يعودون إليه في كل كبيرة وصغيرة وهو المسؤول عن التواصل مع الجهات الراعية. لم أكن أعرف مامعنى هذا؛ عرفتها فيما بعد لكثرة ماسمعتها.

كان عليّ أيضاً أن أتلقى عن فهد الصفعات والضربات التي يكيلها له أخوا ندى؛ لكنهما عندما عرفا بسرنا أنا وندى صارت الضربات أكثر وأقوى؛ وصارا يترصدانني في كل مكان.

لماذا أفكر بالأمر كثيرا؟!

كل ما يشغلني الآن هو أن نصل إلى بيتنا،

أشعر بموجة حبور لمجرد تخيل وصولنا فأهتف بفرح:

– سالي ، حمامتيّ ، ندى….

يا أغلى ما لديّ…

سنعود اليوم إلى بيتنا !

وصلنا إلى طريق محاذ للشاطئ كانت مراكب كبيرة تحمل اللاجئين القادمين عبر البحر، المشهد يبدو مثل كرنفال مبهر؛ زاخر بألوان؛ وأضواء برّاقة تتصاعد في الأفق.

العائدون الذين قدموا عبر البحر لا تبدو وجوههم شاحبة مثل وجوه أهلنا أنا وندى، ولايلوث أجسادهم طين المخيم مثلهم، يبدون هادئين رغم تحفزهم الذي قد يفوق تحفزنا جميعا .

أتشاغل عن الرحلة بتذكّر شكل بيتنا ربما كان مدوراً بحديقة واسعة ستلعب بها سالي أو ربما فيه شجرات يمكن أن تبني الحمامتان عشهما فوقها. أتوقف عن محاولة التذكر لأني أتذكر ايضاً أن الحرب أكلت الاشجار والبيوت والقطط والحمامات، كما أكلت أمي .

عند اقترابنا من خط أحمر ممتد على جانبي الطريق حلقتُ عالياً لكي أرى طرفيه لكنني لم أر سوى أشخاص يتحركون بسرعة يصنفون السيارات ويغيرون وجهة سيرها.

عند آخر الخط توقف الرتل و نزل راكبوه ومعهم ندى؛ السيارات ستذهب في اتجاه آخر و العائدون عليهم أن يدخلوا أرض الوطن راجلين، لذلك سرعان ما اصطفوا و

أخذوا يمشون في قافلة طويلة جداً يتقدمهم جدي يتبعه والدي وهو يحمل على ظهره كيساً فيه ضفائر أمي، ومفتاح بيتنا ولا أدري كيف قفز أمامي سؤال شقي :

– هل لايزال باب بيتنا موجودا؟

أطرد الفكرة اللئيمة من رأسي وأقول في نفسي جازماً

– ” موجود …طبعا موجود ..

سوف أجعل سالي وندى والحمامات يقفون أمامه ويدخلون منه إلى البيت حيث تنتظرهم حياتنا السابقة الهانئة.”

أحاول أن ألتصق بكتف والدي، صار طولي يتجاوزه بكثير.

عندما خرجنا من بيتنا لأول مرة كان طولي يصل إلى منتصف فخذه .

أشعر برجفة تسري في كياني أزداد التصاقاً بأبي

أصابعي تحاول أن تتشبث بقميصه لكنها لا تفلح .

سالي تمشي وهي تتحكك بساقه وتبادله الرجفة، كل شيء يرتجف.

خلفنا تماماً تمشي أختي ليلى ولحم يديها يتساقط نتفاً نتفاً لقد أصيبت بعضة برد في الشتاء الماضي وتيبست أطرافها، وأخذ لحم يديها يهترئ ويساقط لكنه وأمام دهشتنا نما مرة أخرى في الربيع.

في هذا الشتاء عاد للتساقط من جديد.

على النباتات الشوكية التي تسوّر الطريق تتعلق أطراف وأشلاء أجساد أولئك الذين مزقتهم مدافع الحرب . كان من بينها قدما رامز الأخ الأكبر لندى وها هو يمشي على عكازين. أما أمها فكانت تسير وراء الجميع لكي لا يرى أحد دموعها، لكن نشيجها ونهج صدرها يتواتران مع وقع خطوات تلك القافلة من الحزن البشري التي تسعى لترتمي في حضن الوطن *بينما* مدافع للوطن تشهق قذائفها وتوشك أن تزفرها .

ستقتل من هذه المرة؟! لا أعرف ! لكني أتوجس، رغم أنها لم تكن هي من قتلتني، بل تلك السكاكين المسنونة في أيدي إخوة ندى.

(انتهت) أ. عبير عزاوي/سورية

ثانيًّا: القراءة

ما بين ألم الحرب وأمل الحبّ تحتار القصّة. باستخدام التقنيات السرديّة الثلاثة: سرد/حوار/وصف، قصّت علينا الأديبة قصّة حبّ عذريّة طفوليّة في زمن الحرب الأهليّة.

قصّة طفولة عاشت ردحًا من الزمن في غياهب ليل اللجوء، وتطمح دومًا للعودة لرؤية شمس الوطن الجريح.

الحبيب المغدور (مسعود) تحولّت روحه إلى طيف شعاع شمس في عينىّ الحبيبة (ندى). ولم يبق من السعادة إلا طيفها يحوم حول قافلة الحزن البشري التي تسعى لترتمي في حضن الوطن.

بينما تركض الحبيبة بسرعة تفوق سرعة طيف الحبيب؛ نجده فاق والده طولًا.

خرج مسعود من الوطن طفلًا منذ تسع سنوات وشهرين وثلاثة أيام حسب رزنامة ذاكرة الجدّ العنيدة؛ عاد طيفًا لا يُرَى إلا في عينى الحبيبة.

إذا كانت نار الربّ قديمًا لم تأكل أو تتقبل إلا من المتقين؛ فإن نار الحرب لم تُبق على شئ، فقد أكلت الحجر والبشر والشجر.

لم يبق من الأم إلا ضفائرها، ولم يتبق من البيت إلا مفتاح صديء وجدران متهاويّة وأبواب صرعى.

المفارقة أن يصمد باب خيمة اللجوء ويسقط باب الوطن.

الأخت ليلى عضّها البرد، فتساقط منها اللحم. ومدافع الوطن ما بين شهيق وزفير تقتل الجميع؛ لكن نجا مسعود من الحرب؛ فقد قتله الحبّ!

نجا من القذائف الزافرة؛ أردته السكاكين المسنونة.

في هذه الهاوية، تعددت الرايات؛ توحّدت الأهات.

لم ننجح في إعادة لاجئي فلسطين إلى وطنهم، ولم نكفل لهم حقّ العودة؛ كُتِبَ علينا اللجوء برًا وبحرًا بأيدي إخواننا في الوطن… وحينما نعود لن يتبق منا إلا أطياف تأمل في شذرة شعاع أو بريق أمل من سعادة.

ومن أين تأتي السعادة ودموع أم ندى (الوطن) تنهمر في ذيل قافلة الحزن البشري كي لا يرى عبراتها أحد؟!

ابن العم فهد كان أو أسد! يستصرخ مسعود لينجده من تنمر أخَىّ ندى ويتلقى عنه الصفعات؛ رغم أنه ابن عمهما كبير العشيرة وهمزة الوصل مع الجهات الراعية للاجئين!

ويتحول مسعود من حام لفهد إلى صيد يستحق سبق الإصرار والترصد قتلًا بسكاكين ناجي وأنور المسنونة… ليصبح الحبّ ضحية مدعي الفرقة الناجية ومحتكري النور.

هل يتبقى بعد ذلك أمل للحب للعيش وسط ألم الحرب؟!

جلا الودّ؛ تجلّى اللدد!

في الختام لم يتبق إلا أن أحيي أديبتنا المبدعة على قصّتها الرائعة، متمنيًا لها دوام التوفيق.

في أمان الله.

التعليقات مغلقة.