“بين النزعة الصوفية ..وتجليات الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة ” حُلم اللقاء” للشاعرة د. سحر كرم نقد وتحليل أسامـة نــور
“بين النزعة الصوفية ..وتجليات الإبداع ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة ” حُلم اللقاء” للشاعرة د. سحر كرم نقد وتحليل أسامـة نــور
النص :- “حلمُ اللقاء “شعر / د.سحر كرم
بتأويل الملامح في بؤرة الضوءِ
وعناقٍ وردي الملامحْ
تتسابق المسافات وتتابع خطى الروحْ
لتتعانقَ الأمنيات بكل قواميس اللغاتْ
نشوى بتراتيل العبادةِ
وتباتيلِ عيد السماءْ
فتتلاقى الأفئدةُ
على رهف مشاعر وأحاسيسَ
وأفكارٍمزركشةٍ
في رسم لوحة خيالية منعشهْ
رسمتها ريشتُك الملونة المدهشهْ
كنجمة مرتعشةٍ
في سماء الأحلام الورديهْ
تتراقص على ضوء القمرْ
تحملها نسمات عشق كدفء الروحِ
كيفما يغدو ويروحْ
بنسيج خيوط القدرْ
بين الحنايا ،دهشة… ولهفهْ
تمتطي الخيال شغفًا
بكلمات خُطَّت على جدران مرآة العشقِ
بأناملَ بريئة وضحكات تغمرها البهجهْ
ورقصات تمايلت هنا وهناك
وترانيم هادئة يغمرها الاشتياقْ
ونظرات تسودها اللهفةُ
وبراعم أمل مشرقْ
تتمعن بتلك المرآة
حتى يمتلئَ الفؤادُ
بتنهيدة الحنين والتمني
للحظات عشق شهدتها تلك الأماكنْ
بتلاقي روحينا
بتعانق القلوب برداء الدفءْ
حيث يبدأ عالمُ الخيالِ
بإطلاق أرواحنا تناغمًا
الى الأبدية النقيةِ
وترك أجسادنا بأرض الواقع المريرْ
وفي سماء ليلي
أحلق أنا وأحلامي
لأراك بقلبي وروحي
إكسير الحياهْ
وأعزف لك على أوتار نبضي
أجمل الأحان،لتتهادى بطيفك
حين يراودني في الآفاقْ
فانصهر بجلال عشقك.
الرؤية النقدية
مقدمة :-
مهما اختلف النقاد حول قبول شكل شعري، أو رفضه يبقى الحُكْم إلى الإبداع ومدى الشاعرية في النص الشعري من قصدية وآليات وفنيات.، تجعلنا نشعر بالنص ونتماس معه ونعجب به “الإبداع في المضمون “
وفي رأيي أن الانحياز لشكل شعري ورفض ما سواه
هو نوع من العبث والجهل بالمفهوم الواسع للإبداع …
لأن الإبداع يحدده مقومات وآليات تهتم بالقدرة على التعبير
وإيصال الفكرة بشاعرية وجمال لتسعد بها النفس ، وتتماس معها ،ومع القدرة على التصوير والتجديد فيه …
لهذا فإن النص العمودي الموزون والمقفى له جلاله وهيبته منذ القدم ، لكن الوزن وحده لا يكفي لنحكم على قصيدة عمودية موزونة ومقفاة أنها إبداع ..دون النظر للمضمون والتجديد فيه ..
كما أن شعر التفعيلة له آليات لا يمكن أن نتركها ونركز على الوزن فقط..
وكذلك شعر النثر أو النثر الشاعري …له آليات وضوابط أهمها توفر الإبداع والتجديد في الصورة والعمق الفكري والشعوري
والإيجاز ، ورسم الصور الكلية ..والغوص داخل الذات والتعبير عنها.. ومحاكاتها بالطبيعة ..والاعتماد على الإيقاع والموسيقى الداخلية ، وقوة الجملة والدهشة .والتعبير عن الحداثة وما بعدها ..
…………..
**” “في ماهية العنوان ،ودلالته”
إن للعنوان دوره المؤثر في النص ؛ فلم يعد العنوان مجرد كلمات ،تقال في بدايته ، إنما أصبح جزءًا من النص لا ينفصل عنه ،بل هو عتبة رئيسة من عتباته، وهو نص مصغر يدل على النص الأصلي ، وكلما كان العنوان مؤثرًا في عاطفة المتلقي ويثير فكره ،كان ذلك محفزًا له على قراءة النص واكتشافه..
لهذا ظهر حديثًا ” علم العنونة ” ودراسات كثيرة أشهرها
كتاب عتبات النص ” الناقد الفرنسي جيرار جينت ..وكذلك
دراسات الكاتب الناقد “ليو هويك “
والعنوان هنا “حُلم اللقاء ” يتكون من كلمتين مضاف ومضاف إليه ..(حُلم )خبر لمبتدأ محذوف وحذف المبتدأ للاهتمام بالخبر واللقاء مضاف إليه ..والحُلم هو ما يراه النائم ..وهو ما يتمنى المرء تحقيقه ..فالنص هنا يدور في فلك التمني بلقاء
يضفي السعادة والحياة على الشاعرة ..لقاء في بقاع الضوء تسمو فيه الأرواح وتعلو في رحابة وصفاء ونقاء ..
نشعر من العنوان أن النص يبحث عن لقاء عادي لقاء بين حبيبين ..يبحث عن الذاتية والأمل وعلاقة بين قلبين جمعهما الحب ..ويقاسيان مرارة الفراق ..
وبالدخول في عالم النص نجد أننا في بقعة ضوء تحوي التفرد والسمو ..
عنوان مؤثر وجدانيًا ..يحدث صدى في النفس .
——-؛؛؛؛؛؛——–
**” من حيث الشكل والإيقاع “
القصيدة من حيث الشكل تنتمي لشعر النثر أو النثر الشاعري ؛ فهي لا تلتزم بوزن ولا قافية ؛لهذا فهي تتخذ الصورة الطريفة ،و والتأثير الذهني الوجداني
وديناميكية الطبيعة ، وفلسفة الذات والأشياء ، والعلاقات المتداخلة غير المباشرة ، والجمل القصيرة المتناسقة ..
وسيلة لشاعرية النص ،
كما إنها تعتمد على الإيقاع ؛لإحداث موسيقى داخليه رنانة تستعيض بها عن الموسيقى الخارجية المتمثلة في الوزن والقافية .
والإيقاع : هوتكرار الأصوات بتتابع زمني ، وبوحدة منتظمة
واستخدام الجمل المتناسقة ، والاعتماد على التقابل ،والتصاد
والجناس ،والترادف ، والصور الوجدانية العميقة التي تنبعث من العمق الشعوري الداخلي، والذات المشتعلة ؛ لتتوزع على الطبيعة الخارجية .
فتكون عالمًا أسطوريًا يتخذ من الحركة ، والدراما المتصاعدة الهيكل البنيوي للنص .
ونلحظ ذلك في بداية النص حيث تقول الشاعرة :-
بتأويل الملامح في بؤرة الضوءِ
وعناقٍ وردي الملامحْ
تتسابق المسافات وتتابع خطى الروحْ
لتتعانقَ الأمنيات بكل قواميس اللغاتْ
نشوى بتراتيل العبادةِ
وتباتيلِ عيد السماءْ
فتتلاقى الأفئدةُ
نلحظ هنا الموسيقى الداخلية ..والجمل المتناسقة والإيقاع
المتناغم الذي يصعد ويهبط تبعًا لقوة الجملة والحالة النفسية ..
ونجد ذلك في :-
تمتطي الخيال شغفًا
بكلمات خُطَّت على جدران مرآة العشقِ
بأناملَ بريئة وضحكات تغمرها البهجهْ
ورقصات تمايلت هنا وهناك
وترانيم هادئة يغمرها الاشتياقْ
ونظرات تسودها اللهفةُ
وبراعم أمل مشرقْ
تتمعن بتلك المرآة
نلحظ هنا استخدام الفعل المضارع تمتطي ..تغمرها ..تسودها وتمعن ..واستخدام جمع التكسير
كلمات ..أنامل ..رقصات ..نظرات ..براعم ..
——-؛؛؛؛؛؛؛؛———
**”من حيث اللغة ،والمضمون ،والتجربة الشعرية”
اعتمدت الشاعرة على اللغة الحية الواقعية السلسة
والجمل القصيرة المتشابكة ،النابعة من الذات ، فهي لغة خاصة ،بعيدة عن القوالب الجاهزة فهي ترتكز على الرمزية والإيحاء ،وتعدد الدلالات ، والبناء اللغوي الشفاف .
تميل إلى إظهار الأشياء ، و إستجلاء المهمل ،
فجاءت اللغة معبرة تشع بذاتية الشاعرة ،وحراكها الداخلي
وتجاوب الطبيعة معها.
فالتجربة الشعرية هنا ذاتية حالمة ، تعبر عن الأجيج الداخلي ، والحوار الذاتي ،الذي يشكل لوحة كلية للواقع .
واستخدام الصور ،والرموز والألوان وأيقونات خاصة .
لحوار داخلي ينعكس علي الطبيعة والواقع .
واتسم النص بالايجاز ،والإيحاء وعمق الدلالة والإشارات الحية .
النص في ظاهره حلمٌ بلقاء الحبيب في باطنه يسمو إلى رحاب الصوفية والعشق الصوفي …والبحث في الروحانيات ..و وتجليات النفس ..وسمو الروح ..تجاوز بعدي الزمان والمكان إلى البعد الخامس ..
فتقول :-
بتأويل الملامح في بؤرة الضوءِ
وعناقٍ وردي الملامحْ
تتسابق المسافات وتتابع خطى الروحْ
لتتعانقَ الأمنيات بكل قواميس اللغاتْ
نشوى بتراتيل العبادةِ
وتباتيلِ عيد السماءْ
تفجير للغة ..واستخدام المفردات بسلاسة لتعبر عن مكنون النفس ..والسمو ..فنجد بؤرة الضوء ..نشوى بتراتيل العبادة
وتباتيلِ عيد السماء..
وتقول كذلك :-.
على رهف مشاعر وأحاسيسَ
وأفكارٍمزركشةٍ
في رسم لوحة خيالية منعشهْ
رسمتها ريشتُك الملونة المدهشهْ
كنجمة مرتعشةٍ
في سماء الأحلام الورديهْ
تتراقص على ضوء القمرْ
تحملها نسمات عشق كدفء الروحِ
كيفما يغدو ويروحْ
بنسيج خيوط القدرْ
بين الحنايا ،دهشة… ولهفهْ
تمتطي الخيال شغفًا
صورة كلية ..تحمل في طيها التأمل والخروج من ضيق النفس البشرية إلى رحابة الروح ..
وتؤكد ذلك بقولها في نهاية النص :-
الى الأبدية النقيةِ
وترك أجسادنا بأرض الواقع المريرْ
وفي سماء ليلي
أحلق أنا وأحلامي
لأراك بقلبي وروحي
إكسير الحياهْ
وأعزف لك على أوتار نبضي
أجمل الأحان،لتتهادى بطيفك
حين يراودني في الآفاقْ
فانصهر بجلال عشقك.
أنه البحث عن الذات والخلاص في كنف الله خالق الذات إنه الانصهار شوقًا وعشقًا للقاء ..حيث تنكشف الحقائق ..ويرتاح
المرء من عناء المسير وقسوة الطريق ..
——-؛؛؛؛؛؛؛؛———-
**من حيث” الأساليب والصور “
اعتمدت الشاعرة الأسلوب الخبري الذي يفيد التأكيد والتقرير للتعبير عن الحالة والرؤية ،
فجاء الأسلوب الخبري في شكل جمل اسمية وفعلية .
لكن الاشتعال الحقيقي من وجهة نظري داخل النص
هو التصوير الرائع الذي استطاع نقل الحالة والرؤية ، بدقة وجمال ، فنجد الصور الكلية والجزئية الطريفة ..
مثل :-
بتأويل الملامح في بؤرة الضوءِ /وعناقٍ وردي الملامحْ
لتتعانقَ الأمنيات بكل قواميس اللغاتْ/
والصورة الكلية الرائعة :-
رسمتها ريشتُك الملونة المدهشهْ
كنجمة مرتعشةٍ
في سماء الأحلام الورديهْ
تتراقص على ضوء القمرْ
تحملها نسمات عشق كدفء الروحِ
كيفما يغدو ويروحْ
“،لتتهادى بطيفك /حين يراودني في الآفاقْ
فانصهر بجلال عشقك.
تصوير رائع انتقل بنا من الحسي إلى المرئي حلق بنا في عالم الروح والعشق الإلهي ..
——-؛؛؛؛؛؛؛——-
** “المؤثرات داخل النص “
كما تظهر في النص مؤثرات الحركة والضوء والصوت مماجعل النص حيًا ..نستشعر فيه الروح والصدق الفني والعاطفي ..ومن مؤثرات الحركة تتسابق المسافات /تتعانق الأمنيات / وتتلاقي الافئدة
ومن مؤثرات الضوء ” بؤرة الضوء / ضوء القمر / أنصهر
ومن مؤثرات الصوت ” تراتيل / ترانيم/ أعزف /تنهيدة.
——-؛؛؛؛؛؛؛——–
**تبقى من وجهة نظري :-
١-الاعتماد على الأسلوب الخبري جعل لغة الخطاب الشعري أقرب إلى السرد؛ فالأسلوب الإنشائي يحرك المشاعر ويثير الذهن مما يجعل المتلقي أكثر تجاوبًا مع النص .
٢- استخدام الوصف في بعض الجمل لم يفد شيئًا
مثل..منعشة ،في لوحة منعشة / المدهشة، في الملونة المدهشة / المرير، في الواقع المرير
—-؛؛؛؛؛—-
قصيدة نثرية رائعة ، اتسمت بالشاعرية والصدق الفني .وعمق الدلالة والإيحاء والإيجاز ، ودقة التصوير وسعة الخيال، والتماسك البنيوي . والتجليات الصوفية..والسمو الروحي .
وطرافته، تشع بالحركة والتناغم الإيقاعي .يتماس معها المتلقي ويتاثر بها.
تتوافر فيها آليات شعرالنثر ، وتعبر عن الحداثة ،وما بعدها.
قصيدة معبرة رائعة حققت الإبداع والإمتاع .
تحياتي/ أسامــة نــور
التعليقات مغلقة.