قصة حياة : أنا و التايم شير … حسين الجندي
قصة قصيرة بسن القلم ( أنا والتايم شِير)
وقفتُ في (البنزينة) لألقم سيارتي رضعتها التي لا تُشْبٍعها أبدا؛فهي نهمة على الدوام..
وبينما أستعد للتحرك إذ برجل في منتهي الشياكة والأناقة يطلب مني بكل ذوق ولياقة أن أركن في جانب، استجبت لطلبه؛فقد كان مظهره يوحي بأنه رجل مهم،ولكن ماذا يريد مثل هذا الرجل مني؟!
نزلت وانتظرت أن يخبرني عن مراده،لحظات مرت كالدهر فقد دخل إلى المكتب لبضع ثوانٍ ثم عاد وفي يده بطاقة تشبه كروت المعايدة أو دعوات الأفراح قدمها لي وابتسم قائلا :
ممكن حضرتك تقبل دعوتنا؟
أي دعوة؟!
قلتها وأنا في قمة الحيرة والقلق..
فبادرني بقوله :
حفلة ولم أتركه يكمل حرفا واحدا فقد فهمت للتو من هو،وإن كانت دَخْلَتُه مبتكرةً إلى حد كبير،
إنه أحد أفراد شركات (التايم شير)
ولمن لا يعرفها:
هي شركات تسويقية تعتمد على جذب مدخرات الفئة المتوسطة من الناس والتي تحلم بأشياء لا تستطيع إمكاناتُهم المحدودة تحقيقها،من خلال حفلات أسرية يوهمون عملاءهم فيها بأنهم تخطوا حاجز الفقر وأنهم صاروا بين عشية وضحاها من أصحاب الشاليهات والڤيلات في الساحل وشرم والغردقة والسخنة أو في الباردة!
وذلك مقابل شراء سهم أو أكثر يضمن لهم حقَّ امتلاك أسبوع سنوي مجاني في تلك الأماكن السالفة مدى الحياة ومن الممكن أيضا تأجيره أو بيعه بسعر اليوم أو توريثه أو غير ذلك..
ولكي يقوموا بإغراء الزبون يخبرونه بأن الشراء الفوري داخل الحفل يكون بنصف قيمة ما سيدفعه في أي يوم آخر..
طبعا الأستاذ المحترم والذي دعت عليه أمه لم يعرف أن لي تجربةً سابقة مريرة في هذا المدعو
(التايم شير)..
لذا لم يصدق نفسه عندما تعاملت معه بخبرة واضحة..
فقلت له:
الحفلة فين؟
فأعطاني العنوان بسرعة،ومعه كل التفاصيل..
قبلت الدعوة فورا شريطة أن يعطيني الجائزة الفورية التي وعدني بها وكانت عبارة عن (چركن) تنظيف سائل للسيارة..
تلجلج وتردد وأخبرني أن تلك الهدية ستكون في الحفلة،اتهمته بالمراوغة؛فخشي أن يفقد مصداقيته أمامي وأمام كل من قذف لنا أذنه ليسترق السمع..
فوافق على مضض..
أخذت (الچركن) الثمين ومعه فوطة برتقالية وكارت الدعوة وانصرفت..
في يوم الخميس وفي تمام الساعة التاسعة مساءً،توجَّهتُ وأسرتي إلى عنوان شركة التايم شير ومعي كارت الدعوة الشيك جدا..
بدأت فقرات الحفل البسيطة،
فقرة افتتاحية عبارة عن فيلم تسجيلي عن مشروعات الشركة السياحية في كل مكان..
ثم بدأت الفقرة الثانية والأساسية حيث تم تقسيم موظفي الشركة ممن يعملون في قسم التسويق العقاري على الحضور،بغرض إقناع الضيف بأن يكون عميلا لدى الشركة ويقوم بشراء سهم أو أكثر،
وكان من نصيبي موظف لبق جدا ويتكلم مائة كلمة في الدقيقة..
أمسك بالورقة والقلم وظل يقنعني بالشراء وهو للأسف لا يعلم أنني اتخذت قرارا مسبقا بأن السماء إذا انطبقت على الأرض فلن أشتري..
وعبثا حاول..
ولكن هيهات هيهات!
أُذُن من طين وأخري من عجين..
وأثناء ذلك كنا نسمع بين الحينة والأخرى صوت تصفيق حار ينبعث من المناضد المجاورة إعلانا بموافقة أحد العملاء على الشراء..
وصاحبي ما زال يحاول معي لعل وعسى!
مع أنه لو قرأ الغيب لَعِلَم وتَيقَّن أنه لا فائدة مما يعمل ولا فائدة مني البتة،قمت بالانحناء على أذن الموظف الغلبان وأخبرته ألا يُتْعِب نفسه،طلبت منه إحضار المدير بنفسه،ولم يكذب خبرا فأسرع وعاد به،فنظر سيادته إليَّ بتفحص قبل أن يقول :
خيرا يا فندم،هل تسمح سيادتك بمحاولة أخيرة :
وبرغم عدم اقتناعي بجدوى أي محاولة إلا أنني وافقت على مَضَض،المفاجأة الحقيقية هي أنه أحضر لي هذه المرة موظفة في غاية الجمال والرقة تنبعث منها رائحة الحياة الساحرة،فجلستْ بأوراقها بجواري وزوجتي تكاد تقتلني،فانفجرتُ ضاحكا
فبدأت الفتاة تتلعثم قبل أن تبدأ وهي تنظر خلفها لترى ردة فعل مديرها الذي راهن عليها،
ثم قالت في همس وهي تَتَصنَّع الثقة بنفسها :
ماذا يُضْحِكُكَ يا سيدي؟!
أجبتها :
كان غيرك أشطر،
لا أريد تضييع وقتك ووقتي،
ربما العيب ليس فيكِ،
بل فيَّ أنا..
ربما..
لكن الأكيد الأكيد أنك ستفشلين حتما..
نظرت إليّ وهي تداعب أوراقها باضطراب وأخذت تشرح لي بكل ما أُوتِيَتْ من دلال وسحر،وكأنها تسجيل لا يتوقف،
فتركتها تكمل لمدة عشر دقائق،
وبعدها انتظرتْ موافقتي ولكني أشرتُ إليها بالرفض،
فقامت والدموع تملأ عينيها وأسمى آيات الفشل تُخَيِّم عليها..
وأنا بدوري وَقَفْتُ بلا رجعة وانصرفتُ غيرَ آسف..
وعلى باب الخروج فوجئت بالمدير يودعني بنفسه قائلا:
أنا معجب بتصميمك جدا،
فقَلَّما نجد عملاءً لا تُؤثِّر فيهم محاولات موظفينا المحترفين،
وأردف :
أرجو منك أن تقبل هديتنا المتواضعة تلك..
وأعطاني ظرفا مغلقا بالطبع لم أفتحه أمامه ولا حتى سألته عن محتواه..
وبعد خروجنا تماما من المكان قتلني الفضول،فأردت معرفة محتوى الظرف،ففتحته وكانت المفاجأة!
دعوة لقضاء أسبوع مجاني في أحد منتجعاتهم السياحية في الغردقة،
حقا هدية ثمينة للغاية لكني لم أكترث بها مطلقا؛فالإقامة مجانية ووجبة الفطور أيضا مجانية، لكنهم يشترطون تناول وجبتي الغداء والعشاء على حسابك في أحد مطاعم المنتجع، مجموع حساب تلك الوجبات على مدار الأسبوع يساوي :
عشرين ألفا من الجنيهات.
التعليقات مغلقة.