بيني وبيني قصة قصيرة بقلم محمد مندور
…
ما زلت هنا، الجميع رحل، وحيدا، أحاول أن أستجمع شتاتي، وفي لحظة، زادت دقات القلب، عيناي لم تسيطرا على دموعي، أين هم؟
صرخت، أدور كصوفي مهزوم، تمددت على الأرض أرتعد… خرجوا واحدا تلو الآخر، أحسست بأجسادهم تنتزع من جسدي، يلتفون حولي.
نظر إلي أحدهم باستياء..
كم تمنيت أن أرى وجهك… أخبرني من أرسلني إني أشبهك… ها ها الآن عرفت بكذبه.. أيها الطيني المعذب.
قهقه آخر
أكرهك أيها الكئيب، حبست بسمتي كل تلك الأعوام.
وآخرون اعترفوا أنهم قاوموا إصراري على طردهم، وأنه لا أمل في بقائهم..
أما آخر الناطقين: خروجي منك أنه لم يعد لي فائدة، فكلهم تركوك، اتهموك بالجنون… والهم قاتلك. تمت مهمتي.
بين الحياة والموت أدفع الأرض بذراعي، أحاول تلاشي وجودهم بإثبات حضوري، أقف، وأقع، تمر رأسي على أيامي.. أتذكر من كان هنا.
ثم أهمهم…
آخر ما رأيت، رجل كهل، أعطاني قلادة، سقاني من يديه، ذهبت عنه والوعد مقطوع أن الحال محال، وسيتغير مري لحلو..
كيف ياشيخ..
وكلما رغبت فيها ازدادت عني بعدا، عرفت جمالها، ولم أعرف لها اسما، المدرج يحتفظ بأنوثتها، في حلي وترحالي أمر على جلوسها، أختلس النظرة.. في الساحة يوما كان سلامي متجاهلا، وعلى غرة، كانت لغيري، ما أنا إلا حلم لا يحقق، السنوات تشتد علي وأنا هنا في ذات المدرج لا أزال شابا تزحزحه السنون.. أرفض هذه وتلك، الناس تعجب من عزوفي، شبت بخمسينيتي بلا أمل ولا رغبة في الحب.
الشيخ : لا تستسلم
ألا ترى أن إخوتك يوما ما سيعلقون فضلهم عليك.
كيف ياشيخ؟ وهم لم يعطوني إرثا وضاق بي الجب..
أمي هي أنا ولما عرفوا شقوا صفنا، صار نصيبي التجاهل..
متعب والأيام تقتل في معنى الراحة، هل أستطيع أن أبدأ من الأصل.. أي أوجد قبل ميلادي، أختار الأهل، والحب.
الشيخ: نعم.. اشرب، من يدي، ضع القلادة أسفل رأسك ونم..
في تلك الليلة، نمت ولم أقم.. وجدت جسدي متبلدا، أصابني المس…
حضر الجميع في أجسامهم.. حبيبتي تخبرني، أحببتك ولم تقر بحبك لي. ألا لعنة الله على الانتظار، قطار العمر يمر والأنثى يقطفها الشجاع الأقدر.
إخوتي جاءوني.. كل واحد يلقي لي حجته، أنا صاحب الولد وأنت لم تتزوج… وأنا فقير وأنت غني .. وأنا سقيم وأنت الصحيح.. ألا ترى أنك لست رجلا إذا لم تضحي…أومأت..
أما أمي عاتبت جهلي والبقاء على الماضي .
-أنت لا تساوي ما أنفقه عليك.
خرجوا الآن من صورهم إلى أصولهم شياطين صورهم لي الشيخ..
مسكني من يدي أخي الأصغر نحن هنا ما بك أفق.
أمي تبكي عند الباب من ارتعادي.
أخواي يصيحان: قم.
الماء ينز من جبيني غزيرا.. يمسحانه، أستعيد وجهي، أجمع شتاتي ببقائهم…
أهلك الله الشيخ..فرق بيني وبيني.
التعليقات مغلقة.