قراءة في قصة قصيرة (موقف) للقاصّة الليبية أسماء القرقني Asma Elgargani
بقلم: عاشور زكي وهبة
أولا: القراءة
ََمَن يُحب يضحي أحيانا مرضاةً لمن أحَب!
هذا ما يوضحه الفعل الأول في القصة ” ركنت المراجع”.
إذ تعتبر الزوجة الأولى الزوج في مقدمة أولوياتها، بجانب أولادها. وكانت على أهبة الاستعداد أن تضحي بمستقبلها العلمي لأجل الاحتفاظ به، خاصة إذا ارتبط بأخرى…
ما أصعبه من موقف أن تٌدعَى المرأة بالزوجة الأولى /السابقة/ القديمة لفلان!
ما أسوأ أن ترى نفسها في الخلفية بعد أن كانت في المقدمة!
ما أفظع أن تكون لها ” ضرة” بعد أن كانت درة بيتها!
تقدمت في السن وتستمع لنصائح واقتراحات أقرانها لتظهر مفاتنها لزوجها زائغ العينين.
والرجل مهما تقدم به العمر يريد من الزوجة أن تستثير ذكوريته. لهذا أنصتت للتعليمات النسوية: الاهتمام بزيها وزينتها لتستعيد من هجرها واستبدلها بأخرى.
يا الله! منذ أعوام لم تطيل الوقوف أمام المرآة!
لكن ما غرض الزوج من لقاء الغريمتين؟!
بأسلوب حواري يتحدث الزوج مع زوجته الأولى أم أبنائه..
يقنعها قائلا: “لن أطلب منك أن تزوريها، رغم صغر سنها طلبت مني زيارتك؛ لكنني أمسكت العصا من المنتصف، قررت أن نتعارف في مطعم صغير للعائلات.”
هذه الفقرة الحوارية الزوجية الوحيدة يريد الزوج أن يكون التعارف على أرض محايدة كفرقاء السلاح، ويقدم نفسه كوسيط/ حكم عدل؛ وليس السبب في هذا الموقف العسير!
ذكورية
ادّعَى الإنصاف؛ تداعت الأنصاف.
من جهة أخرى هل يمنع الأولاد والمسئوليات الكثيرة الزوجة من التزين لزوجها وإشعاره برجولته؟!
هل يقف طموحها العلمي حجر عثرة في سبيل اعتنائها بنفسها في الزي والزينة؟!
أليست الزوجة هي السكن لزوجها بعد يوم عمل شاق؟!
لاحظت أن الصراع القصصي عند أ. أسماء القرقني يأخذ شكل المونولوج الداخلي، صراع يستوي على نار هادئة؛ صراع ذهني دون أنياب مفترسة، ولا طلقات رصاص طائشة، صراع يشحذ العقل ويهذب النفس تختصره هذه الومضة:
قدرة
باغتتها الفتنة؛ أغاثتها الفطنة.
ما أفظع على المرأة أن يظهر الزوج نقطة ضعفها: التقدم في السن!
حتى أنها تريد أن تكون امرأة ثانية؛ رغم أنها الأولى في حياته، تريد أن تكون بنفس صفات وسمات الثانية الضرة التي سرقت زوجها. لهذا وافقت على اقتراحه، وهي تحترق من الداخل..
لم تعتد أن تعترض أو تقول: لا! تعودت أن ترضيه حتى على حساب كبريائها المجروح.
يضعها الزوج في هذا الموقف العصيب يعايرها بفارق السن بينها وبين غريمتها الشابة. ألا يعلم أن الزوجة الثانية يمكن أن تضعه في نفس الموقف وتعايره بكبر سنه؟!
من خلال المواجهة تحاول الزوجة الأولى أن ترى عناصر الجذب في غريمتها فتجد الأتي:
أنها _ أي القديمة_ أجمل؛ رغم أن الجديدة شابة!
أن الجديدة لا تجيد الطهي، وتلقى التشجيع من الزوج على عكس براعة القديمة باعتراف الزوج نفسه.
أن الزوج يعامل القديمة بتقدير واحترام، في حين ينظر إلى الجديدة نظرات إعجاب وافتتان!
رغم أن الجديدة هي من طلبت التعارف؛ إلا أنها لم تتبادل الحديث مع القديمة.
وكما يقول المثل المصري: ” لاقيني ولا تغديني! “. أي قابلني بوجه بشوش، ولا تطعمني ما تلذ له النفوس!
وشتان بين نظرات تقدير واحترام، ونظرات إعجاب وافتتان…
وصدق الله في محكم التنزيل ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم.. وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة…
لم يستطع الزوج أن يذيب جبل الجليد بين الغريمتين؛ إذ استبد به الانحياز، رغم أنه في موقف يحتاج الأنصاف لزوجة قاسمته عمرا وتحملت مسؤوليات جسيمة لرعاية الزوج والعمل والأولاد.
وحينما تجد انحيازا للجديدة الشابة حديثة العهد به، كان لماما عليها أن تنسحب الجريحة بكرامة؛ وليس عن ضعف واستكانة.
وحينما يكون الجارح أعز ما تملك: الزوج، تسقط الدمعة رغما عنها، لأن كبرياءها لا يسمح بهذه المهاترة لمن يدعي الإنصاف فيفضحه الانحياز.
صار الألم عميقا فانسحبت إلى قاعدتها: بيتها بيت الزوجية حيث الأبناء والمستقبل المشرق؛ ليس انسحاب استسلام، لكن انسحاب الكرام.
لم تنسحب اعتزالا؛ بل لتعديل الأوراق المختلطة حيث النافذة المفتوحة على غد مشرق أفضل تخلع ثوب التصابي الخليع، وتحطم أحمر الشفاه برأس الحذاء الرفيع.. لأن لكل سن سماته.. تصبح امرأة حديدية تقهر الجبال الجليدية.
في الختام أحيي الصديقة الأديبة أسماء القرقني على قصتها البديعة، متمنيا لها دوام التوفيق.
الأربعاء 21\9\2022
ثانيا: النص
موقف🖋
قصة قصيرة
ركنت المراجع التي كنت أدرسها لنيل درجة الماجستير جانبا ، تسارعت نبضات قلبي وأنا أرمق عقارب الساعة تدنو من الموعد ، ، أصبت بحيرة وأنا أتفقد كما لابأس به من الفساتين المقترحة من أختي وصديقاتي ، وقع اختياري على فستان ذهبي من الشيفون ، لفت نظري لونه الرائع وأكمامه الضيقة الشفافة، وطوله القصير الذي يبرز جمال ساقيَّ وقدي الممشوق ويقلص سنوات عمري التي تناهز الخمسين ، أتممت أناقة الفستان بحذاء ذي كعب عالٍ ، منذ زمن طويل لم أبتع حذاء من هذا الصنف، الأولاد والمسؤوليات الكثيرة التي أحملها جعلتني اعتاد الأحذية الرياضية الخفيفة ولا أروم غيرها ، لكنني وعدتهن بتنفيذ تعليماتهن بالحرف؛ لأبدو بصورة مختلفة
، أرضتني النتيجة عندما وقفت أمام المرآة ، منذ اعوام لم أرَ نفسي في كامل زينتي بهذه الصورة ، اووو ه، كدت أنسى طلاء الشفاه الأحمر، أكثر شيء نصحنني به، وضعت طبقة منه ،عززتها بطبقة أخرى، كان اللون مغريا جدا، وملفتا للنظر ، لم أعتد هذه الألوان الصارخة ، هممت بتخفيفه لكني عدلت عن رأيي ، ……….الليلة أريد أن أكون امرأة ثانية غير تلك التي هجرها واستبدلها بأخرى .
- لن أطلب منك أن تزوريها ، رغم صغر سنها طلبت مني زيارتك ، لكنني أمسكت العصا من المنتصف ، قررت أن تتعارفا في مطعم صغير للعائلات ،
، وافقت على اقتراحه وأنا أحترق من الداخل، لم أستطع أن اقول كلمة (لا )، مع أنها كانت على طرف لساني ، كنت رافضة مقابلتها أو أن تربطني بها أية علاقة، لكني تعودت أن أُرضيه ، لم أنبس بكلمة واحدة عندما نظر إلي نظرة رجاء وهو يدلي باقتراحه……..
، كانت المرة الأولى التي أرى فيها غريمتي ، المرأة التي سرقت أغلى ما أملك ، سحبت نفساً عميقاً لأسيطر على توتري وارتعاشة يدي، وتدفق الدم بقوة إلى وجنتيَّ عندما صافحتها ، اختلست النظر إليها أكثر من مرة ، لم تكن جميلة ، كنت أجمل منها بكثير رغم فارق السن الكبير بيننا، مهذبة ، لكنها لم تتبادل معي سوى كلمات معدودة .
حرص هو على تنفيذ كل طلباتي، لكنه لم ينظر إليَّ مرة واحدة بأعجاب أو افتتان كما فعل معها ، كل مافعلته لأبدو في نظره جميلة، وتلك النصائح والمقترحات لم تجد نفعا ، نطراته إليَّ كانت نظرات احترام وتقدير ،
، استغربت من الأشياء الخفيفة التي طلبتها زوجته للطعام ، زوجته !! آه لم استوعب بعد هذه الكلمة:
-الشباب طلباتهم مختلفة
قهقه ضاحكا ، شاركته الابتسام على مضض، الصمت والتوتر كان غالبا على الجلسة لم يستطع رغم محاولته الدؤوبة طوال الوقت إذابة جبل الجليد المنتصب بيننا
-أنتِ طباخة ماهرة طعامك يتفوق دائما
قال لي بحماس،
وجهت نظراتها لي مبتسمة:
-جميل جدا ، لم أتعلم بعد رغم محاولاتي
ضحك ضحكة قصيرة ورمقها بنظرة مطمئنة:
-جربت بنفسي ، ولكن لابأس مازال الوقت أمامك طويل لتتعلمي
شعرت بشيء ثقيل يجثم على صدري ، وكأني وضعت نفسي في مكان ضيق أنا أكبر منه بكثير ، عليَْ أن أخرج حالاً من هنا ، الأجواء أصبحت خانقة، لا طاقة عندي لأتحملها، لم أستطع انتظار الشاي ، تحججت بضغط الدراسة والامتحانات،
مسحت دمعة سقطت رغما عني عند دخولي إلى البيت ،
فتحت نافذة غرفتي على مصراعيها ، حطت الشمس البهية على وجهي ،احتضنت كتبي وأوراقى ووضعتها بعناية بالقرب مني ، أخرجت طلاء الشفاه من معطفي ،دسته بكعب حذائي قبل أن أبدأ خلع ثيابي.
التعليقات مغلقة.