هنا كانت أمى…
العيد بوعون
هُنا كانت أمّــي
من على ذاك المقعد الحجري كانت الوجهة ، حيث كانت تُجلِسني أمي بعدما أتناول فطوري ،وترتٌب ملابسي وتسرِح شعري ، وهي مُبْتهجة مُغْتبطةً لاتفارقني قبل أن تُقَبَّلَ جبهتي ووجنتي وتُلاَعِب شعري ،حينها كنت أسامِر السّعادة المتطايرة بين جَنبي ، وأرحل طائرا مع الفراشات كيف لا ورَبيعي الأخضَر مُزَركشٌ بعشب أمي مُزدانٌ بكرمها وعطاياها…، لكن مالَبِث مَرجِي الأخضر أن يتحوّل إلى أرض جُرز قَفْر تجُوبه غِربان النّفس الملتاعَة ناعقةً مُنذرة بِتَجَهُّمٍ ، وإكْفهْرارٍ ،تتسابق سُحُب الٱلاَمِ في سَمائِه وتتلبَّدُ السَّرائر بعدما كانت مُتهلِّلةً ، وتجفُّ المٱقي بعدما كانت مترَقْرقةً وعَينايَ تَنظْرُ أُمّي حُبورا ، ولم يبق من مَرجي سوى مكان الجُلوسِ… أمّي يَانبْع الحنوِّ وسُؤدُد العيشِ ، يابدر التَّمام في دُجَى اللَّيالي الحَالِكِات ، أمِّي بِرحيلك رَحل كُل جَميل ، وإنْدرستِ الآمالُ ، وسَادَ صَمْت الوَحدة ، وكَدرُ الفراقِ ، وتجعدت الوجنتان ، وشَعثَ الشّعر ، وبتُّ أنا وشَجرة الخريفِ سَيّانِ ، حافي القدمين ، عدا قميصا عادت عليه العَتاقةُ بِكَلْكَلِها ، وتغيّرتْ مَلامحُ ألوانه بتغيُّر ملامحي ، لكأنّهُ يستجدي فقد أمِّي ويبكيها غسلا كَما بَكيتُها شوقاً وفراقاً … أمي للمكان شذى عِطْر أشْتمٌُه وأنت يانُورَ الْعين جاثمةً على رُكْبتيكِ محتظنةً إيَّايَ …. وهاهي الٱن رياحُ اليُتمِ تعبثُ بأهدامي وأسمالي محاولة ً كشفَ سوأتي بعدما كُنتِ ياأغلى كلمةٍ تُزَمِّيليني، وتُدثّريني حُبًّا وعطاءً … أمي تراسيم وجهك لها تراسيمٌ في الفؤادِ وهو مُتفَئِّدٌ ، كيف بي من بَعْدك والدَّربُ شاقٌ والرّحْلةُ مُضْنيةٌ من على هَودَج الأيَّام المُرّةِ … أمّاه حتى نَجْم بهجتي أَفَل ، وهمْسُ طُفولتي خَبتْ نارهُ، وذَبُل فَتيلهُ ، فاستحالت أيَّامي عُبوسًا ، لكن….. أنت يا أمي محفورة بداخلي ما حَييتُ حتى أُوسدَ في التُّرَبْ ، وستبقين شُعلتي الوضّاءة في سماء الوجود، ورايتي الخفاقةُ في دُنيا العطاء … فرحمة ربي عليك ياجَنّة الْعْدن …. بقلم الأستاذ/ بوعون العيد
التعليقات مغلقة.