ربما يكون قنفذا! بقلم .. عصام الدين محمد احمد
أتسكع في دروب نفسي المضطربة.
تتماهى الصور الباهنة.
تلج سردابا.
تجدني في نهايته متدثرا في عباءة شوكية.
تسيل الدماء من مسام الخلايا المرتخية.
أسألني:
لماذا لا تخلع العباءة؟
أجيبني:
حاولت، كلما شددتها ازدادت التصاقا، جربت قص الأشواك؛ فتمدد طولها.
رطبتها بالمراهم؛ فتثقفت أسنانها.
قرأت عشرات المراجع الطبية، فلم أجد لهذه العباءة أي ذكر.
ازداد الأمر سوءَ، ارتبكت الحواس وشارفت على الاندثار.
أوجعني الفكر، قررت التخلص من الجسد الذي هو في معزل عن العالم المحيط.
بالتبعية ستبقى العباءة، لتزخر بها مراكز البحث!
قذفته بطلق ناري.
أرتج ، فانزلقت الرصاصة مبتعدة.
قالوا:
هناك الانعتاق حيث يقطن رجل محبوس، فوق رأسه فانوس، وفي جعبته ملقاط نادر، نزع أشواك آلاف العباءات.
تعجبت قائلا:
كيف يكون محبوسا ومخلصا في وقت واحد؟
ربما لا تعارض البتة!
أمام كوخي الدائر مع الأرض سفينة ، هيئتها فريدة، مخطوط عليها :
كهف النسيان.
ولجت السفينة، وبمجرد الدخول تحررت العباءة.
تعريت تماما كالحيوان.
تناثرت أعضائي فوق طاولات الزجاج: المخ والقلب والبقية.
أراقب ما يحدث وكأنني أمام مكونات جسد آخر.
لا ترتيب للأحداث، فغسيل الأعضاء برذاذ سائل قد يسبق نزعها، وقد يخلُف تركيبها.
إعادة التركيب قد تسبق النزع والغسيل.
أنه حقا عالم غريب؛ تتوه فيه المعالم ويفقد الزمان خصائصه.
راودتني فكرة اللحظة الممتدة واللامنتهية، وبقياسات الزمن قد تستهلك مئة ألف عام أو يزيد.
لم أنشغل كثيرا بالتفسير، فقوانين الزمن المتربصة بالعقل تنحرف بالشرح.
أتسلى بالعرض السينمائي.
الأجهزة الملحقة بكل طاولة تعرض أفلاما لا حصر لها.
أمامي شاشة عملاقة تُحرك أحداثا متداخلة تارة ومبتورة الأخرى، وكأنها مشاهد منزوعة الترابط والترتيب!
أصابني الزخم بالتشظي، فعقلي أربكته الأحداث سواء ماضيها أو مستقبلها، امتزجت المفردات وكأنها نسيج متقن الصنعة!
أطير في الفراغ، أعضائي تستقر موضعها، تفرّ ثانية، انسلخت من حياة يحكمها الارتقاء والفناء لحياة جديدة لم أجربها قبلا.
أخيرا سكنت الأعضاء مكانها الذي نبتت فيه، هاأنا أجلس أو أضطجع فوق الهواء، أتمتع بالسباحة والطواف في شتى أرجاء المركبة الهلامية.
تتسرب الراحة إليّ،غادرني القلق والتوتر،فأفعالي الآن لن تتراكم ولن يترتب عليها أية نتائج.
هاأنا أبوح بسري دون إرادة مني:
الأفعال وردودها تتفق مع تكويني، لم أرَ ملمحا شاذا!
تعملق عنادي ، رفضت الحجر على رأييّ، قالوا:
افعل كذا.
لم أفعل.
زرعوا الأشواك في كل دروبي، أُدميت قدماي.
انزلقت من جحريدة لحفرة عميقة، وفي نهاية المطاف أودعوني المعاش، قذفوني من تل عبقر.
نفسي تأبى الأعوجاج، ظللت أنكمش، حتى لبستني العباءة.
أفرغت ما في جعبتي من أوجاع أمام المحبوس المخلص، الذي حاول الوقوف على حقيقة حالي بمشاهدته لحياتي المتلفزة.
وضح فشله بعد لجوئه لاستنطاقي، صرخت :
لا أريد ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
يرتد صدى صوت:
لم يحن الوقت بعد.
بصوت متلجلج أقول:
الحل؟
نبرات جهورية تصدح:
نزعت الأشواك ولا مفر من العودة ثانية.
ها هي العباءة تلبسني؛ ناعمة كالحرير، ولكن إلى متى ستظل هكذا؟!
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.