موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

المدينه الفاشلة بقلم.. عبد الحميد سحبان

183

المدينه الفاشلة بقلم.. عبد الحميد سحبان


شارك الزعماء الثلاثة، تلامذة شيخ السوفسطائيين “بروتاغوراس” في المجادلة الشيقة حول المدينة الفاضلة التي أدارها أفلاطون في فضاء مطل على بحيرة المتوسط بالقرب من كهف التجلي. بعد اقتناع المتناظرين بأصالة الفكرة وسُمُوِّها، قرروا وهم في طريق عودتهم من جزيرة البلاغة العربية تطهير مدينتهم المسماة “الفاصلة الكبرى” بعد أن “قَتَلَهُمْ” اليأس من بعث الأجساد المنحوتة وعتق العقول المقفلة التي غصت بها الأمكنة والأزمنة. اتفقوا على البحث عن رأس إنسية طاهرة، بحجم نقطة في بحر من الدنس المتراكم، عساهم يزينون بها حرف صاد مدينتهم ويُنقِّطوه كي يصير ضادا وتصبح فاضلة.
جندوا لهذه المهمة صاحب الشرطة كثير السياحة، عالي السطوة، نادر الغفوة، والسياف المسرور المبهور بسيرة يد بطش هارون الرشيد، والمقرر العبقري ذي موهبة التدوين بيديه ورجليه بسرعة صوت الدجالين.
جلست الهيأة الموقرة صباح يوم مشرق عند أجمل مداخل البلدة، المزين بلامية امرئ القيس مكتوبة بحروف كوفية ماسية “ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي”، محاطة بِسَرِيَّة من الجند مدججة بكل أنواع سياط التطهير وبمنجنيق الفضيلة، صنعه الحرفيون سلاحا لقذف الرؤوس الآدمية المتربصة بالمدنية، منذ أن وضع الآشوريون أساسها وأتم البابليون بناءها.
انطلق البحث عن الأوزار الكامنة في أحشاء العابرين عبر طرح الأسئلة المحيرة، استهلها كبير الزعماء بسؤال أحد القادمين: “من تكون؟” فإذا كان الجواب بأنه هو، يليه الاستفسار: “مع من؟”، فإذا كان الرد بأنه معهم يتبعه الاستفهام “ومن هم؟”، فإذا كان الجواب بأنهم أجداده يتبعه السؤال “هل تعرفهم؟”، فإذا كان الرد “أنهم بنو آدم”، تُجَزُّ رأسه دون تردد.
لما فطن أهل المدينة بأنهم مجبرون على التبرؤ من ذنوب بنى آدم وحواء، كان جواب أحد المتحذلقين بأنه من أبناء نوح، ثم انبرى للدفاع عنهم وعن نفسه باستماتة: “أليس جدنا الطيب هو الذي نفذ أمر تطهير الأرض بفلكه المبارك الذي رسا بعد ظهور اليابسة من جديد؟ أليس هو الذي فتح باب الأمل لقوم اختيروا من بين صلحاء جميع الخلق، من بشر وطير وحيوان وشجر”، للتو جزت كل الرؤوس التي ظل الرئيس يكلمها وهي تتطاير أمامه بانتظام، تتقاذفها أيادي محترفة: “ألم تعلموا وتعوا، أن ابن نوح مات جاحدا، لم ينفعه تبجحه بعلو جبل “إيفريست” الشاهق أمام جبروت سر الحياة، الذي تحول عند الطوفان إلى مميت كل شيء حي”.
فَهِم أهل المدينة أن طريق بني آدم البريين وبني نوح البحريين ليست سالكة. خطب الزعيم الثاني فيهم قائلا: “ألا تعلمون أنهم محشوون بقطن العيوب لحكمة لم ولن تدركها أذهانكم الضعيفة”.
احتار الواقف أمام هيأة التحكيم، وهو يتفصد عرقا بحثا عن جَدٍّ تَقِيّ ينشر عليه القليل من طهره إن بقي له من أثر، عسى أن يفيض به كأس الساهرين على حسابه اقتناعا؛ فتجرأ لكونه دارس تاريخ نِحرير، يحفظ عن ظهر قلب شريعة حمورابي، مذكرا الجمع بصوته المرتعش، خوفا من لمعان البتار الذي يبرق فرحا لدنو قص رقبته الرخوة: “لقد ساند العزيز الشاب أنطونيو الطموح في النجاة من شرك “شيلوك” الجشع لرطل من لحمه البشري الطري، في الجزء الحاسم والأخير من الملهاة التي أقيمت في البلاط على شرف شكسبير”. استبشرت خيرا وجوه الناظرين إلى منصة الزعماء، المستوية فوق جماجم الخبث، لما أخذ الرئيس يداعب لحيته؛ زاغ ببصره قليلا حتى اعتقد الجميع أنها تأملات الخلاص؛ إلا أن الزعيم الثالث انتزع الكلام على حين غرة، محدثا بنقيض ذلك: “أما حمو أَوْ موحا فإنه حانوتي بحي شعبي بقرية ساحلية معروف ببخله لدرجة القرف”.
احتد صوت الرئيس لهذا الوصف السوفسطائي، الذي ذكره بفضيحة حمو المرابي التي لا تغتفر. صاح في وجه الجهباذ حينما أدار الجلاد سيفه في الهواء استعدادا لقطفه :”ألم تعلم أن محاباة الأسياد السمر السوماريين على حساب العبيد البيض دفعت بهم للهرب غربا في سفينة تاجر البندقية وسرقة مِسَلَّة قانون الشرق، التي رُفِعت بها صروحهم عاليا، بعد حفظ نبهائهم سرا كل الفصول والبنود مدعين أنها أصل شريعتهم الأرضية” ثم أردف متمما كلامه والأسف يخنقه: “لم يقنع الملاعين بسرقة روح القوانين؛ بل عادت سفن قراصنتهم في هجرة غير سرية لنهب بيت مال الثقافة والفكر والمعرفة”، ضُربت الأعناق بلا رحمة ولا شفقة، بأمر من رئيس محكمة تفتيش شر النفوس بقوله: “حمورابيين !!! هؤلاء الأغبياء غيروا بفَعلتهم مسيرة التاريخ، ليتحول منطلق طريق الحرير من الشرق إلى الغرب”.
سكت الصباح عن الكلام المباح، والتبس الخطب على الزعماء قبل أن يرتد لثالثهم طرفه على بعد ثوان من فض هذا الالتئام عند إطلالة الفَصْح، “وما الإصباح عندهم بأمثلِ” ولا “بأفضلِ” في اللحظة التي اقتنع فيها الكبير بنهاية المناظرة: “يا سادة، يا كرام، قد فقدنا الأمل في العثور على الجمجمة الطاهرة، فالخطيئة سبحة عظيمة بخرزات تعد ولا تحصى من الشكولاتة البيضاء، انفرطت بين جمع غفير من المبتهلين؛ التهموها بأفواههم المتضرعة، لم تقع أسفل الحلق و لم تلفظ مع أمواج البصق، بل صعدت لسوء الطالع فوق الهامات الفارغة، لتتربع على قنن الأجساد المغلوبة المغلولة، ولا سبيل لنا لقطع دابرها إلا ببتر كل الرؤوس، فهل أنتم مستعدون للذبح العظيم؟” موجها كلامه للمحفل الموقر.
تحسس الجميع رقابهم التي لم تزد السياف إلا ثقة في نفاذ ضربه ومضاء صارمه، والفرح بنجاته لأن قبضته لا يمكن أن تلتف على رأسه لتقطعه. رد الزعيم الثاني مغضبا معلنا وقف المعركة الخاسرة: “قد انخدعنا بخطبة أفلاطون الساحرة، وظننا أن “فاصلتنا الكبرى” كانت قاب قوسين أو أدنى من نَقْطِ الصاد، لتصبح أكثر وأكبر من فاضلة”، ثم ضرب كفا بكف وكأن دمعة سالت تقطع الطريق إلى ذقنه منعته من إتمام ما في جعبته من غم وأسى.
أردف الزعيم الثالث مستسلما لتجذر المعصية في النفوس المُرَّة: “يا لحسرتنا تراجعت مدينتنا بثلاث خطوات أبجدية عاقرت فيها حرف السين، متقهقرة من فاسلة إلى سافلة، لا يفصلها عن الضّعة سوى كريات صوفية متدلية خلف رؤوسنا المعجونة بالخزي والعار، مُلفوفة زغبا فضيا مُدَبَّبا يرصع قلانسنا المشكلة لقبة ثلاثية الأضلاع، تظلل صفحة الأرض بنقش مُدَبَّج بماء الذهب، يشهد على أن حاضرتنا بشِينِها وبشَيْنها كانت منذ الأزل وستظل مدينة فاشلة.
ملحوظة
لقد تم التصويب المقترح من طرف هيأة المجلة المكلفة بالفحص، وشكرا

التعليقات مغلقة.