نقابيون ولكن…
بقلم عصام الدين محمد أحمد
نقابيون ولكن…..
تحثني صباح على مقابلته:
ربما يعفو!
أصرخ في وجهها:
لن أستعطف أحدًا.
فلنجرب فليس هناك ما نخسره..
على مضض وافقتها الرأي.
تتزايدأعداد الموظفين ما بين مجامل، متفرج، وشامت.
الأفواه – في ذات اللحظات – تتحدث دفعة واحدة، فتتوه المعاني، يضحي النقاش نقاشات.
اُستدعي أعضاء النقابة للمثول.
غابوا طويلًا، لا أحد يعلم – يقينًا – ما دار خلف الباب المبطن بالجلد السميك.
لم يستقر المجلس إثر خروجهم، يتلاومون وكأننا فراغ.
يقول رئيسهم:
استدعاني لتهدئة الموظفين، أمرني بمشاركتهم التظاهر.
اليوم يكيل لي الاتهامات!
أهينم:
كبير النقابة عميل مزدوج.
يسر له النائب:
قلت له: حضرت لأستكنه سريرة المتمردين.
أربت ذهني المتعب:
النائب عسس.
يقاطعهما أمين الصندوق المخضرم:
ما كان على الموظفين التمادي.
أسخر في سريرتي:
حفز الموظفين للإضراب، ثم تنصل من دعواته.
تجافيني الكلمات المناسبة للرد عليهم.
ترسخ في يقيني أن المظاهرات كانت مسرحية محبوكة الصياغة والإخراج.
هذا ما قيل أمامنا!
ماذا قيل في الداخل؟
تشتعل النيران في حامل أختام النقابة، ينتفض كأنه على جمر، ينطق:
ليس من حقهم إيقافي عن العمل.
أرد متأنيًا لأغيظه:
بل أنت القائد ومفجر الديناميت.
تتدخل صباح:
ضعنا يا أولاد.
أعقب بصورة آلية:
لكل شيء ثمن.
يطلب السكرتير اختيار مندوب، يدفعونني للدخول.
الغرفة تنم عن الفخامة والرفاهية، يجلس خلف مكتب عتيق، أكوام الدوسيهات تصنع من مشاهدته معاناة، يقول:
ماذا تريدون؟
أرد:
إلغاء القرار؛ لم نرتكب شيئًا معيبا.
يقلب أوراق ملف ساخرا:
كل المتهمين يدَّعون البراءة.
أعصف ذهني مجيبا:
وما أكثر أحكام الإدانة المبنية على الاعتراف!
يكتنفه السكوت، يتساءل:
أتترقبون العفو عن الجريمة غير المسبوقة؟
أتلو سطرا من كتاب ذهني الحقوقي:
الإضراب مكفول دستوريا.
تصخب أمارات الغضب صائحا:
لن أكتف بالإيقاف.
انتظرت حتى هدأ.
بنبرات تحمل في طياتها الوعيد:
من وراءكم؟
أستجمع الشجاعة:
بطون أولادنا.
يتململ متأذيا من وجودي:
الإضراب لن يشبع الجوعى.
أشار إليّ بالمغادرة.
يحتد صوتي:
ما هكذا تدار الحوارات!
يلتف بمقعده الهزاز موليا إياي ظهره.
يزعجني صوت “أبو سويلم” في فيلم الأرض: “كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة”
جميعهم يترقبون إعادة سرد الاستجواب ثانية.
لم أنبس بكلمة، تعالت الاتّهامات.
أنطق بالخبر:
لا فائدة من المساعي.
يلتقط حامل الأختام الخيط فيخطب:
في التلفاز يكيلون لنا الشتائم.
أتوه في يم التذكر:
“اعتاد السهر في هذا الملهى.
يتجاذب الهمس مع عشيقته، رشفة من هنا وأخرى من هناك، انعقدت علاقة المتعة والمصلحة.
تبدل الملهى إلى ساحة لقنص الفرائس؛ أمير عربي، عمدة جيزاوي.
وفي ليلة غمسها التوتر في نهره، تراءت المرأة المكتنزة لحمًا بحر متعة لفحل تلاعب به الكحول.
مد يده إلى الكهف المسحور.
أوجعتها القبضة، فتأذت.
لم تعتد الرفض، ولكنها هذه المرة تألمت كما لم تتألم من قبل.
فعكفت على خدمته واعدة إياه بليلة حمراء، تُنتهك فيها كل الأستار.
أحضرت له من الكؤوس ما يُسكر العشرات.
تتراقص الأضواء، تدور الأرض.
تكشف بعض كهفها، فيهجم عليها.
انغرست سكين في أحشائه.
افترشت الأرض دماؤه المخمورة.
حضرت الشرطة.
أُرسل وخليلته إلى النيابة.
يُصدر القاضي حكمًا ببراءة المرأة وسُجن المتيم خمس سنوات.
تصدر العدلية قرارًا بفصله.
يقضي العقوبة.
تصدر المحكمة حكمًا برجوعه
أنسخ – على مسئوليتي- قرارًا بتنفيذ الحكم.”
رجعت من سفرالذاكرة على وقع صدام حاد بينهم.
تصر صباح على معاودة الحديث إلى الإدارة.
مما دعاني للتصريح:
أنسحب من هذه الجلسة.
أشرح والآذان لا تصغي:
ما يحدث الآن زوبعة في فنجان.
يتدخل بوق النقابة قائلًا:
قلت فيهم شعرًا، وألقفوني للمقصلة ؟
أمازحه:
لماذا لا تكتب (تترًا) لحكايتنا؟
لم أكتشف المذهب بعد.
أسخر:
ستحقق ربحًا لو كتبتنا مسرحًا.
تتهادى إليّ الصور:
” اعتلى الدور الثاني متنقلًا مع الكاميرات.
يسرد المطالب بأسلوب رقيق ، متوهمًا أنهم سيغفرون له.”
أحاط بنا الأمن كأننا جرذان في مصيدة محترف.
لم أستوعب المشهد:
ماذا يعني هذا المنظر؟
تدابير احترازية.
ألفظ الجميع، أهطل نازلًا.
أركب الرصيف كأنني أبحث عن النجاة.
يستعصى عليّ الفهم.
تداخلت الأوراق، تباينت أحداث الرواية، ساخت الأقلام في الزمن.
يعبرني النيل، تشتد حرارة الجو، يتصبب العرق:
ما الذي حدا بك للاحتشاد معهم؟
لماذا تجرجرك صباح كيفما تشاء؟
ألأنها تتمتع بقدرة على التغلغل في النفوس؟
أراق لك معجمها الجنسي؟
صوت الممثل في المسلسل الصعيدي يزاحمني:
يعيش الواحد في هذه المخروبة مرة واحدة.
“أما”يعيش بكرامته ،”أما” تلمه حفرة.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.