قاتل لم يقتل…
بقلم عصام الدين محمد أحمد
قاتل لم يقتل
بقلم عصام الدين محمد أحمد
قاتل لم يقتل
سكنت منزلاً مجاوراً للحسين، قروشي قليلة.
وفي سكون الليل افزعتني أصوات عالية، حاولت معرفة مصدرها، ولكنني فشلت، أتحسس الأرض، أضع أذنيّ علي الحائط، باءت جميع محاولاتي بالفشل، ولكن الصوت يعلو، أنكفئ علي وجهي.
لم يخمد الصوت، النبرات تخشول، تعلو وتخفت.
ظننت إن قطيعاً من القطط يصخب.
طوحت بفردتي الحذاء في الفراغ، ولكن الصوت يطنّ، يضجرني رنينه.
قبضت يداي علي بلطة مهملة، قذفت بها باب الخشب الرقيق المقابل، انخفضت الجلبة، همدت؛ بدت كحشرجات منتحرة.
يقبضني الضيق دون سبب.
لحظات وأجد جسدي في الشارع، الهواء منعش، ولكنه لم يستطع أن يخفف من خوفي.
أهرول علي غير عادتي، يتصبب وجهي عرقا.
يستوقفني، ألهث، يدق قلبي، يسألني:
ما بك؟
يفحصني وكأنه لم يعرفني من قبل، أشيح وجهي مبتعداً، يسير جواري، يتبعني، يدفعني للدخول معه البيت، أتناجى:
الأمر مرعب.
يدعوني للعشاء.
أعتذرمتحججا بالشبع.
لم يستجوبني، وعرض عليّ النوم فوق الكنبة حتي الصباح.
أدعي النوم، تباينت الانفعالات في صدري، ولا أدري ما العمل، ينتبه لحيرتي،يغلق الكتاب الذي كان بيده، يمسح عرقه، يدعك عينيه، يقول:
ما بالي أجدك علي هذه الحال المزرية؟
أين بشاشتك وكلامك الفكه؟
قصصت عليه المشهد، ران الصمت، طال أمد السكوت، أخيرا ينصح:
عد غدا، شم رائحة الغرفة، إن كانت كريهة كالقبر.
لم حاجياتك وارحل، وأن كانت طيبة كالمسك لا تغادر.
رافقتني الهواجس إلي الغرفة، سكون لا يقطعه سوى صوت أنفاسي، لم يستقر بي الجلوس.
ينفتح صنبور رائحة خانقة.
ألم حاجياتي في الجوال؛ وابور جاز، طاسة ، براد شاي، طبق، حلة مهتومة الحواف، شبشب، سروالان وقميصان، لباسان وفانلتان.
ألم كتب الدراسة في كرتونة متوسطة الحجم.
غادرت الغرفة ولا أعلم وجهتي.
أجرجر الجوال، وفوق رأسي الكرتونة.
وجدته ينتظرني أمام البيت، أعطاني مفتاح غرفة فوق سطح منزله، تركني عدة أيام دون سؤال، في اليوم السابع زارني، ألححت عليه بالسؤال كيف فسر ما حدث معي، فقال:
أقامت بالغرفة جماعة من الجان، يجهزون لعرس بنتهم، يغنون، يزغردون، يصفقون، من شدة فرحتهم اخترقت أصواتهم الحجاب.
وبالطبع لم تتحملها، حينما قذفت الحذاء لم يكن أحد منهم في مرماه، ولكن البلطة رشقت في العروس، ماتت فرحتهم، نصبوا لك محاكمة مستعجلة، وصدر الحكم بالقصاص.
أرنم بصوت خافت:
أنّى لي معرفة أنهم يقطنون غرفتي؟
يرد بهدوء:
يمكنك استئناف الحكم.
تلبسني الحيرة مستفهما:
كيف؟
يجيب مبتسماً:
قد تبدو بعض الأفكار ساذجة!
يتساءل:
أيمكن لي اختراق عالمهم والمثول أمام قاضيهم؟
تتحرك شفتاه دون أن ينطق بكلمة، يحضر منقد الفخار، يشعل الفحم، ينثر البخور،تسبح الأدخنة في الأجواء، أشرفت على الاختناق، أتلعثم، أتوه بين كراكيب الخشب، أشباح تتحرك، تتزاحم، تتعارك، وصوت أجوف يزعق:
محكمة.
روب أسود يتحرك يمينا ويسارا.
يد تشير إليّ، وأصوات تنطلق لا أعِ منها شيئا، لساني يُفك من أسره:
لم أعلم بوجود عروس في مرمى البلطة.
أصوات تزداد حدتها، لا أفقه من معناها شيئا، ولكنني أردد:
ما الذي دعاها لتتشكل بهيئة البشر؟
بالتالي زواجها من جني كذبة كبيرة، ثبت أنكم كنتم تعدون لحفل عرس بشري!
ما جريرتي لتكيدوا لي؟
أنظر لأعلى، ألمح شعار المحكمة:
الجور أساس الملك.
يقفز الروب الأسود، اليد الخارجة من كمه تتوعدني بالهلاك:
تجدني أزعق:
لم أقتل أحدا، لم يتوفر الأصرار ،وغاب الترصد، فكيف يتحقق اتهام القتل؟
اقتحمتم خلوتي، وأصابني الضجر من عبثكم، فأنتم تجاوزتم تخوم القانون والمنطق.
تبددت الأدخنة، لبسني الوعي ثانية، لا أثر لأي أحد بالغرفة.
لا رفيق ، ولا بخور.
أفتش غرف المنزل جميعها ، لا وجود له وكأنه فص ملح ذاب.
أعبر عتبة البيت مغادرا.
أنظر خلفي، لا بيت ولا شارع.
لم يصبني الجنون أو الهذيان!
تطاردني الأشباح، يقبضون على مشاعل النار وكأنهم “الدهاشنة”في فيلم شيئ من الخوف يصيحون:
باطل.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.