لا تتجرع السم بقلم.عصام الدين محمد احمد
ينزل رضا أفندي وأنا في عقبه.
أصيح عليه لينتظرني، انسلخنا من الديوان، وها نحن نطوي الشارع، نرتجل الكورنيش، نمتطي مقعداً خشبياً.
أشعة الشمس تلثم وجهي.
رضا يكبت الحديث، يخنق البوح، حتي لا يُفتضح أمره.
أنشغل عنه بمناجاة الشمس ، ولكنه يقول أثر معركة ذهنية سريعة:
أحب هياما.
أأضحك من هذا الفتى؟
لا تضحك حتي لا يزعل، ولا تصدم قيس في ليلاه، ومن الضروري محاورته ، فأجاريه مدعياً الجد:
ما أمارة حبك؟
يجيب كالتلميذ الذى لا تروق له دراسته:
أريدها زوجة.
الشمس الوبرية في طوبة مرغوبة، يستحلبها بدني، وعقلي يتوهج بدفئها، أتكلم وعيناي مغروستان في تعرجات مياه النهر:
الحب يكسر الرجال.
أدعه يعجن فطير الكلام، الذاكرة تحضرني:
“أنسلّ الهالوك،يتذمر ظهري،صوتها يحتويني:
أحبك.
حشيشة الهالوك تتبدل إلي أنامل جارحة.
تتسع قناية الري وتميل، تندلق فوق رأسي.
كادت روحي أن تزهق، ولكنها تنجو.
وابتهاجا بالنجاة أصنع عروساً من الطين، أنفخ فيها، لا تنبت فيها الحياة.
وفي الدار ستي حميدية، تجذبني من جلبابي، تغويني:
بنت عمك عياشة.
أستنيم فوق حروفها الطرية، أتجنب الاعتراض حتي لا توجعني حكمتها،تستطرد:
ما قلعت برقع الحياء،تنفع أما لعيالك.”
صوته يعود بي إلي الكورنيش:
قلت لأمها، لم تعطني عقاداً نافعاً، وعلقتني بمشجب الانتظار.
رضا افندي يعتقد فيّ المعرف ، ولذلك يجب أن يكون نصحي علي مستوى المسئولية،فأقول:
السبيل إلي القلوب لا يُمهد هكذا.
وقد قرأت كتاب مسالك الأحباب في معية البنات، ووجدت فيه الدواء؛ ثلاث حبات :
كبسول تأنق يُؤخذ علي الريق.
وأنبول إنفاق يُحقن في الظهيرة.
ولبوس تخنث يُمتص مساء.
يبتر الشرح بفزعه:
لا تزيدني كرباً.
ولكي لا يرتدي الحوار سمت الجدية أمازحه:
تقدم لرئيس المصلحة بطلب مدموغ.
تلتمس فيه تحقيق أمنيتك.
وبدوره سيحيله إلي المكتب الفني،الذي سيمرره إلي إدارة شئون العاملين، ليعبر إلي صاحبة الوجه الطفولي لتسجيل درجتك في تقاريرك السرية.
بعد أن يمر بجسر الصادر والوارد، يُرسل لموظف الجزاءات، ليكشف هل سبق لك الزواج أم لا؟
ومدير الإدارة سيعيد تدويره لموظف العلاقات الإنسانية.
سيركنوه أسبوعا..أسبوعين.
ولن يتحرك الطلب إلا بعد إلحاحك.
سيتأكدون من ملف خدمتك،ومراجعة أستمارة ” 11 خبرة” لتحديد التاريخ الفرضي لبداية الزواج المقترح، ليستقر في درج الرعاية الصحية.
سيُطلب منك صورتين واستمارة كشف طبي.
ستخلع ملابسك.
لا تخجل من العيون الفاحصة.
ليوثق الطلب بتوقيع ثلاثة أطباء معتمدين.
سيفحصون الطلب وفق القرارات الوزارية.
وستنتقل مع طلبك كالصورة المرتعشة من مكتب لآخر.
لن يستقر بك الجلوس والوقوف.
ستلاحظ أن السنين ستركب الريح، أو هكذا ستشعر بوطأة الوقت الثقيل!
يضيف رضا:
آلاف الجنيهات تلزم المشروع.
سأقول قبل أن ينفد صبري:
الحل أيسر من ذلك كثيرا.
ستسأل:
ما هو؟
سأجيبك:
البس سروالا ممزقاً وقميصا منسلاً.
وفوق الرصيف تموضع، لتخط القراطيس، أنثرها فوق الأنام.
تشعلق بالأتوبيس.
وتحت شرفتها أمتشق بيدك اليمنى سيخاً، وباليسرى قنينة سم.
أبتهل إليها.
تودد بالنهنهات والتوجعات.
ربما تلتفت إليك !
ربما ترضى بك !
لن تشاركك الموت،فكن حذرا، لا تتجرع القنينة .
ربما تتداول الأجيال سيرتكما.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.