قصة قصيرة :أربعة جدران وسقف بقلم عصام الدين محمد أحمد
أعتفد الآن حل جميع مشاكلي.
أمتلك أربعة جدران وباباَ خشبياَ ونافذتين وكنيفاَ ضيقا .
أي نعم بالغ الضيق ولكنه يفي بالغرض .
يمكنني الآن إعداد كوبا كبيرا من البن المحوج.
أشعل السبرتاية التى اشترتيها خصيصاَ للمزاج، ولتذكرني بجدتى.
دوما كانت تتربع فوق الكنبة العريضة بصحارتها العميقة.
أتصدق أن أعمامي الجهمين يطأطئون الهامات فى حضرتها؛ ترمق الواحد منهم بطرف عينيها فينخرس.
تفور القهوة ، أصب نصف الكوب ، أعيد الكنكة فوق النار ثانية.
أستطيع الآن أن أتشكل مع الحياة كيفما أشاء.
تبا لحياة التسكع في بيوت الأقارب.
خالي يبتسم نصف ابتسامة حينما يلمحني متناوماَ فوق سرير جدتي .
فهو يدرك أنني قد أمكث عنده بضعة أيام .
ربما كان معذوراَ فشقته ضيقة؛ غرفتان وصالة، وهي مرفأ لكل أفراد العائلة الهاربين من الجوع.
والقطارــ يا رفيقي ــَ لا يتخلى عن رحلاته الدورية محملاَ بشباب الكوامل.
أفرغ بقية الكنكة فى الكوب ، أدفن الشعلة بالغطاء، أرشف بقاَ:
الله..الله..ما أحلى القهوة السادة !
أحضرت اليوم ألبوم الصور .
ركنته جواري،من الحيل الجميلة أستنطاق الصور والرجوع إلى الزمن الماضي أليس كذلك؟
عموما لا تشغل ذهنك بمثل هذه الترهلات.
أتجرع بقاَ ثانياَ.
تصدمني الأوراق المتناثرة بين الجدر.
بخط كوفي تجريبي تواجهني عبارة نجع الكوامل.
حلوة حكاية الكوامل ؛جمع كامل .
الأرض براح، ولكنها صفراء، والبيوت واطئة أغلبها من الطين اللبن والطوف، ما الجديد فى هذا الكر الممل ؟
ياعم لا تضايقني والنبي!
القمح في نجعنا لا يكفي والبرسيم شحيح.
النوارج ــ يا سيدي ــ تكهنت فى الزرائب.
والمحاريث الآلية أجرتها غالية؛ تقصم أجدع ظهر، وظهر أبي من هذه الظهور، صحيح أنه تحمل الويل حتى تخرجت من الجامعة.
ولكن آن الأوان لرد الجميل .
يا عم جميل “أيه “؟
يا خائب الرجاء ؛ الساقية دوارة ولازم تدور.
أستحلب الرشفة الثالثة والرابعة.
سافرت من بيت إلى بيت ، ومن خال إلى خال، والأيام واقفة كاللقمة الحجرية فى الزور.
قضيت فى المعمار أسبوعا.
اشتغلت فى الحدادة يوما ونصف.
مكثت في وكالة البلح شهرا.
عملت في سوق روض الفرج خمسة أعوام.
شرطي الوحيدــ لا تسخر مني ضاحكاَ ــ في الوظيفة ؛ المبيت فوق كرتونة ؛ فوق شيكارة أسمنت ؛ فوق كومة زلط؛ فوق سرير من الأقفاص والجريد.
المهم في الموضوع برمته النوم والسلام!!
والآن ــ يا فيلسوف الغبرة ــ أمتلكت الدنيا بكل ما فيها .
تنام عريا نا ، متدثراَ، بين بين.
نم ــ يا منبوذ ــ كيفما تشاء.
ينقصك يا سيدي وما أكثر الأسياد فى هذه الأيام حتة راديو صغير وسرير خشب أو كنبة بدلا من هذه الكارتونة الجافة.
كل شيء بأوانه.
لا ؛ اجتهد فى عملك.
أدخر أكثر حتى يمكنك فرش الحجرة قبل زيارة أمك للقاهرة.
أيضا يمكنك دعوة زملائك للزيارة!
على الأقل يا شيخ صار لك عنوانا !
الباب يدق .
تترنح مطرحك .
لماذا لا تفتح حتى تستريح وتريح ؟
الغبار يتساقط.
ينهمر من مجرى الباب.
يخترق المفتاح القفل.
تزيق حصيرة الباب الحديدية التى تعوزها التليين، يصيح المعلم:
نومك ثقيل يا صعيدي.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.