” بين سطوة الإبداع…. وتمرد الذات ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “ماريونيت” للشاعرة د. ريهان القمري …نقد وتحليل / أسامـة نــور
” بين سطوة الإبداع…. وتمرد الذات ” دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “ماريونيت” للشاعرة د. ريهان القمري …نقد وتحليل / أسامـة نــور
“ماريونيت” شعر / د .ريهان القمري
وإنَّ مِنكَ الذي قد كادَ يُسقطني
فأنتَ من ينتقي حبلا و يتركُهُ
لا تسترحْ أبدًا حتى تحركني
كدميةٍ لا ترى …والخيطُ تمسكُه
تشدُّني لحظةً للفرحِ ألمسهُ
تشدُّني لحظةً لليأسِ يشركُهُ
هل كنتَ لي صادقا؟هل كنتَ لي أملًا؟
وأنتَ من في يديك الخيطُ تربكُهُ !!!
من أنتَ إذ تلتقي شمسي بمطلعِها؟
ما كنتَ ربي ولا كوني ستضحكُهُ!
لو أشرقتْ قُوَّتي في مِعصَمي هزُلَتْ
هذي القيودُ التي طالتْ و تنهكُه ُ
هل كنت تقصدُ ذبحَ الروحِ في جسدي ؟
هيا استرحْ فالردى بالجسم يوشكُهُ
كم ندبةٍ بالفؤاد الآن تتركها !
ذنبي الوحيدُ غرامي ، الآن أدرِكُهُ
إني أنا من رأتْ في الأسرِ فرحتَهَا
والآن أكسره ، و الآن أتركُهُ
الله حسبي و عزمُ القلب أقصدُه
إنَّ الطريقَ بدأتُ الآن أسلكُهُ
ما كنتَ إلا مليكًا للفؤاد طغى
بأمر حبي الذي قد كنت تملكُهُ
ما كنت إلا خيالًا في السطورِ نما
وقد صنعتك من حرفٍ أُشَبِّكُهُ
“النقد والتحليل “أ.أسامة نور
مقدمة :-
إن الإبداع ميكانزم دفاعي ؛ يواجه به الإنسان الواقع ، ويتغلب على آلامه النفسية ، فالمبدع يختلف فكرًا ،وإحساسًا وعاطفة عن غيره ،
فهو دائم التأمل والتفكير ، متمرد ، على الواقع وعلى نفسه في أوقات كثيرة ، وقد يتمرد على إبداعه ، وفي هذا بحث عن الحرية ، وانتفاضة النفس ، وثورتها على الأسر .
والدخول في عوالم الذات ، والبحث عن كينونة النفس ،وماهيتها ، التحري في كنه الإشياء ، خلجات تعتري المبدع ، فيشعر بثقل العالم ..وضيق الصدر ،والرغبة في التحرر حتى من سطوة الإبداع الذي هو جوهر الحرية .
———؛؛؛؛؛؛؛؛———
**من حيث العنوان :-
إن للعنوان أثر كبير في تلقى النص الأدبي ، فهو يدل على ماهية النص ،
ويحمل دلالات شتى ،
لهذا اهتم النقاد بالعنوان ومنهم الناقد الفرنسي “جيرار جينت “في كتابه” عتبات النص “
والعنوان هنا” ماريونيت “
عنوان صادم يوحي بالألم النفسي الناتج عن تحكم الآخر وسيطرته ؛ فالإنسان الواقع تحت هذه السيطرة مثل الدمية التى يحركها الآخر بخيوطه ،ويوجهها حيث يريد ..
عنوان مباشر “لكنه يحمل في طياته الألم والحسرة ، ويدفع المتلقى لاكتشاف وجه السيطرة ،ومن فاعلها .
فللعنوان تأثيره النفسي على الشاعرة والمتلقي ، وبذلك نجحت الشاعرة بهذا العنوان أن تستدرك القارئ وتشركه وجدانيًا في النص .
———–؛؛؛؛؛؛؛؛؛———
**”من حيث الشكل والموسيقى “
النص ينتمي للشعر العمودي حيث وحدة الوزن والقافية ،فنجد النص على بحر البسيط وهو من البحور المركبة وهو ينبسط للتعبير والعاطفة الجياشة ،
ونجد القافية ورويها حرف الكاف المضمون الحركة وبعده الهاء ..وهي هاء الوصل المشبعة بالحركة
والكاف حرف مرقق دائمًا ومن صفاته الهمس ،الشدة ،الاستيفال والانفتاح ..
لهذا فالقافية ورويها يتناسبان مع الإحساس بالضعف والسيطرة من الآخر ..كما أن هاء الوصل توحي بالعمق والأسى والزفرات الحارة .
ونجد الإيقاع الهادئ الهامس المتناغم ..الشجي الباعث على التأمل والتدبر ..والعمق الشعوري .
ونلحظ ذلك في بداية النص :-
وإنَّ منك الذي قد كان يسقطني
فأنت من ينتقي حبلًا ويتركُهُ
لا تسترح أبدا حتى تحركني
كدمية لا ترى ،والخيط تمسكُهُ
………..
**من حيث اللغة المضمون والتجربة الشعرية “
استخدمت الشاعرة اللغة السهلة المرنة ،ذات الإيقاع الشجي ، وكأن اللغة تخرج من العمق الشعوري ، مشبعة بالأسى ،والرغبة في التحرر من كل قيد ، نشعر بالالتماس ،وأحيانًا بالمرارة ، امتزج فيها الفكر بالعاطفة مما جعلها لغة مؤثرة جذابة ساحرة ، واعتمدت على التقطيع الصوتي ، والتقسيم الموسيقى ..
ونلحظ ذلك في :-
هل كنت لي صادقًا؟ هل كنت لي أملًا؟
وأنت من في يديك الخيط تربكُهُ
من أنت إذ تلتقي شمسي بمطلعها
ما كنت ربي ولا كوني ستضحكُهُ
يغلف هذا الإطار السيمفوني صدق عاطفي .وفني وتجربة شعرية نشعر بها ونلمسها ونتأثر بها ..فالشاعرة تعبر عن حالة تمر بها ، فهي تري
الخروج عن سيطرة الآخر ، حتى لو كان هذا الآخر هو الشعر الذي منحته الحب .
فتقول :-
أنا من رأت في الآسر فرحتها
والآن أكسره ،والآن أتركُهُ
ثم تقول
ما كنت إلا مليكًا الفؤاد طغى
بأمر حبي الذي قد كنت تملكُهُ
بدأت الشاعرة النص بخطاب الآخر
وتأثير هذا الخطاب على المتلقى ويبعث على التفكير في كينونة هذا الآخر الذي يجعلها كماريونيت ويتحكم بخيوطه فيها ،فيجعلها سعيدة تارة ،ويائسة تارة أخرى .
فتقول :-
وإنَّ مِنكَ الذي قد كادَ يُسقطني
فأنتَ من ينتقي حبلا و يتركُهُ
لا تسترحْ أبدًا حتى تحركني
كدميةٍ لا ترى …والخيطُ تمسكُه
تشدُّني لحظةً للفرحِ ألمسهُ
تشدُّني لحظةً لليأسِ يشركُهُ
ثم توجه له التساؤل ، كيف تكون الأمل والصدق وأنت تحركني بخيوطك ، فتقول :-
هل كنتَ لي صادقا؟هل كنتَ لي أملًا؟
وأنتَ من في يديك الخيطُ تربكُهُ !!!
من أنتَ إذ تلتقي شمسي بمطلعِها؟
ما كنتَ ربي ولا كوني ستضحكُهُ!
لو أشرقتْ قُوَّتي في مِعصَمي هزُلَتْ
هذي القيودُ التي طالتْ و تنهكُه ُ
ثم تذكر تأثيره عليها ، وأنها تعلن التمرد وكسر هذه القيود ،وانها تسعى في طريقها
تستمر الشاعرة في الخطاب والتهكم ..
فقد سيطر على الشاعرة بدافع الحب ..فهو خيال صنعته الشاعرة بحرفها وتراكيبها فتقول :-
ما كنتَ إلا مليكًا للفؤاد طغى
بأمر حبي الذي قد كنت تملكُهُ
ما كنت إلا خيالًا في السطورِ نما
وقد صنعتك من حرفٍ أُشَبِّكُهُ
المضمون يحمل الجمال والإمتاع بالإضافة لروعة الشكل وجمال الموسيقى ، وتفرد الحالة وعمقها
والبعد عن المباشرة ، بالإضافة إلى الأثر النفسي والتركيز عن الجانب الوجداني.
———–؛؛؛؛؛؛؛؛———–
** من حيث الأساليب والصور وفنيات الإبداع “
يتسم النص بالإيجاز ، كما أنه مكتمل من الناحية الفنية ، مترابط المضمون ..متنوع الأساليب ،عامر بالصور الفنية البديعة ..
فالنص في كل أبياته يقوم على استحضار صورة الآخر من خلال الخطاب، فإذا كان المخاطب ليس بإنسانٍ ، فنحن أمام حالة من التشخيص والأنسنة تسري في النص ،
ونجد الأسلوب الخبري للتقرير والتأكيد ، مثل وإن منك الذي قد كان يسقطني
فأنت من ينتقي حبلا ويتركُهُ
إني أنا من رأت ..
ونجد الأساليب الإنشائية التي تثير الذهن وتحرك الفكر وجاءت ممزوجة بالعاطفة مما أضفت الجمال على النص ..
فنجد الاستفهام في هل كنت لي صادقًا ؟ هل كنت لي أملًا؟!
وهنا يفيد الشك
ومن أنت إذ تلتقي شمسي بمطلعها ؟!
هنا للتحقير
هل كنت تقصد ذبح الروح في جسدي ؟! للتعنيف والتوبيخ
ونجد الأمر في هيا استرح فالردي بالجسم يوشكه
ونجد الصور الجمالية التي تشرق في النص وتبعث الحركة الحيوية
في وإن منك الذي قد كاد يسقطني
فأنت من ينتقي / لا تسترح / كدمية لا ترى / من أنت كي تربك الشمس بمطلعها / ذبح الروح
وحتى نهاية النص ما كنت إلا خيالًا في السطور نما
وقد صنعتك من حرف أشبكهُ
**”الموسيقى الداخلية “
جاءت الموسيقى الداخلية متناغمة مع الموسيقى الخارجية ، فقد استخدمت الشاعرة اللفظ المعبر ،والتراكيب الرقيقة ، والكلمات المتجانسة ، بالإضافة إلى حسن التقسيم ، والمخيمات البديعية ،
فنجد التضاد في” الفرح اليأس “/”خيالًا ..صنعتك “
وحسن التقسيم في :-
هل كنت لي صادقًا ،هل كنت لي أملًا ؟!
الآن أكسره ،الآن أتركهُ..
قصيدة تجمع بين الفكر والعاطفة ..والحركة والتناغم الموسيقى ..يحوي الصدق الفني
والصور الموحية المعبرة يجمع بين الحالة والرؤية .
نص تحقق فيه الإبداع والإمتاع
تحياتي أسامه نور
التعليقات مغلقة.