حكاوى سمسمة : حكايتي من الانتماء إلى فوضى الدعوات للنزول
بـ قلم .. أسـمـاء الـبـيـطـار
بداية، كل كلمة في هذا المقال أنا مسئولة عنها مسئولية شخصية .
هناك مشاهد في حياتنا لايمحوها الزمن، فهي رابضة في منطقة اللانسيان
منها هذا المشهد المهيب الذي صادفته وأنا في السابعة من عمري
عندما وجدت أمي تبكي بشدة ولم أعرف لبكائها سببا إلا عندما سألتها جدتي رحمها الله.
لقد اغتال الأندال الرئيس محمد أنور السادات.
كنت صغيرة لا أستوعب الكثير من الأمور التي تدور حولى .
ولكنني كنت أرى الدنيا تتغير إلى الأفضل.
كنا نسعد كأطفال عندما نجد حفر عميق في شارعنا لإدخال مواسير الصرف الصحي بعد أن كان كل بيت يخرج فضلات المياه إلى عربات الصرف الثابتة على قمة الشارع كل مساء فتعودنا كيف نحافظ على المياه كي لا نتعب أخر النهار من حمل المياه أو حتى لا يمتلئ ” بير ” المنزل سريعاً و نضطر لإحضار عربة ” الكسح ” كنا نفيق من نومنا على صوت عربة النظافة و صوت ” عم فاروق ” عامل النظافة المختص بكنس شارعنا و هو يلقي بتحية الصباح على أهل الحتة و يقف ليشرب كوب الشاي حتى تلحقه العربة لتحمل ما جمعه .
و أخر النهار يقوم كل بيت بالكنس أمام بيته و رش المياه، و بدون مبالغة كان الشارع قطعة من البيت في نظافته
و هذا بالتزامن مع مرور عربة رش الشوراع الرئيسية في تمام الخامسة مساءً .
لا أنسى جمال الحدائق و قد زينتها الأزهار بمختلف ألوانها .
كانت المدارس الحكومية و المستشفيات في حالة جيدة، ومستوى الخدمة بها كذلك كانت البيوت عامرة بالخير من طيور إلى رائحة الخبز الصابح التي تفوح من جميع المنازل على مدار الأسبوع .
كنا لا نحتاج من السوق سوى الخضار فقط ، و نعيش اليوم بيومه، لا نخطط للغد إلا في وقته ، كانت الحياة سهلة و بسيطة .
حتى من انتقل منا إلى المدن الكبيرة كان من وقت إلى أخر يأتي لينهل من هذا الخير
كنا نشعر بالتغيير و السعادة و التطور، و لا يستطع أحد أن ينُكر ذلك
إلى أن توقف التطور و ساد الركود ، إلى أن تفاقم الأمر و شعر المواطن بأنه لا جديد
و من وجهة نظري الشخصية .
أن ما أدى إلى خروج الأمر عن السيطرة في 2011 بالمقام الأول هي ” قضية البطالة”
وشرع الكثيرون في التخلي عن البيوت القديمة فهدموها ليقيموا بدلاً منها العمارات الحديثة لتوفير المحلات التجارية و الشقق لاستثمارها بالإيجار للسكنى والأنشطة التجارية
وبدأت المَدَنية تغزو المحافظات و مراكزها شيئاً فشيء و التي كانت مصدراً مهماً للخير .
و في تلك الأثناء و منذ أن وعيت على الدنيا و أنا أستمع لحكايات عن فقدان أبي في حرب ٦٧ و مشاركته في حرب ٧٣ كمجند ، و أيضا مشاركة عمي في إقامة الكباري كمهندس في القوات المسلحة المصرية .
كل عام منذ أن وعيت على الدنيا و تتجدد الحكايات من جدتي رحمها الله .
وازداد اهتمامي بما أسمعه، خاصة من أبي رحمه الله
فقد كان مختلفا عن الجميع في حكاياته، فالكل يتحدث عن الوجع و الألم و الرعب من لحظة سماع خبر ينفطر له القلب ، الجميع يتحدث عن عناء البحث هنا و هناك ، أما حديث أبي عن نفس الأمر فكان مختصرا جدا ، لم يتحدث إلا عن الوجع الحقيقي في رؤية زملائه و قد استشهدوا جميعاً في الدبابة التي كان قائدها، و عن تيهه في الصحراء و شُرب بوله من شدة العطش.
كنا نشعر بمدى ما مر به وما تعرض له من آلام، و إلى أن توفاه الله في عام ٢٠١٩ عندما نوقظه فقط من نومه العادي .
أطلت عليكم بالمقدمة التي رأيتها ضرورية
ندخل في موضوعنا
و سيتفرع الموضوع بين الماضي و الحاضر و حكايات من هنا و من هناك
حكايات من واقع عشته بكل صدق وواقعية
و بطل موضوعنا الأول أيضا أبي رحمه الله الذي تعلمت منه المعنى الحقيقي للانتماء
رغم ما تعرض له أبي ، إلا إنه لم يتحدث أبدا بسوء عن هذه البلد ، لم يكن من الساخطين على إنه لم يُكرم ، أو يحصل على اهتمام أو أو أو .
كان يعشق بدون مبالغة تراب هذه الأرض ، و بغض النظر عن أي شيء لا يراها إلا إنها دائما ستكون بخير و على خير لأنها تستحق .
لم يتنقد وضعا ، بل كان دائماً لا يرى إلا الشيء الإيجابي حتى و إن كان بسيطاً دائماً كنت أسمعه يقول ” يا مُسهل واحدة واحدة يا ولاد “
لا يستطيع أحد مهما كان أن يتحدث معه بسوء أو عن شيء سلبي بهذه الأرض و كأنها بدون مبالغة قطعة من روحه .
و إذا تناقشنا معه عن أي وضع سلبي كان يتهمنا بعدم الانتماء !
كان دائماً يحثنا على المشاركة بكل شيء إيجابي حتى و إن كان تشجيعا للمنتخب بعد أن رأى تحول اتجاه الشباب الملحوظ إلى تشجيع الفرق الأوروبية و هموا بالبعد عن الفرق المصرية و انتقاد لعبهم و مقارنتهم بالفرق الأجنبية .
كان رغم كبر سنه و تقدمه بالعمر أول من يشارك بالانتخابات البرلمانية و يحثنا على المشاركة خاصة بعد يناير 2011
نعم كان أبي من ” العواجيز ” الذين لم يسلموا من تملق الجهلاء بما يحمله مثله في قلبه لهذه الأرض الذي دافع عنها بروحه بل كاد أن يفقدها .
و يتهمهم بأنهم يقبضون كي يدلوا بأصواتهم !
كنت أشعر به مختلفا في حبه لهذه البلد ، كنت أراه صادقاً حد العشق الحقيقي ، حد البكاء إذا مسها سوء .
الانتماء الحقيقي هو ..
أن تقدر أولا و قبل أي شيء معنى كلمة ” أرض الوطن ” أن تحترم رموزها و لا تتحدث عنهم إلا بكل أدب و احترام .
لأنك إن لم تفعل ستهان بكل بساطة في أي مكان ولا تلومن إلا نفسك
_و هناك فرق من أنك ترى كل شيء سلبيا و تتحدث عنه بكل فظاظة
و من أنك ترى الشيء الإيجابي و تشجعه .
و في هذا الإطار بالذات سأتحدث عن تجربتي ووجودي بالخارج مالا يقل عن سبعة عشر عاماً في إحدى الدول العربية طيبة الأرض و الشعب و هي ” سلطنة عُمان “
كنا كأجانب أو وافدين ننبهر بالتطور المتنامي في كل عام من إنشاء طرق و محاور جديدة و ربطها ببعضها البعض و توسيعها .
تخفيف الضغط على العاصمة بالاهتمام بالولايات و إنشاء كل ما يلزم لاستقرار المواطن و شراء كل احتياجاته الضرورية من ولايته دون الاضطرار للسفر كل أسبوع لسدها من العاصمة.
إلى جانب إنشاء الحدائق العامة و إقامة بعض المهرجانات المُصغرة ووسائل الترفية و و و .
تم إنشاء أكبر مسجد بالسلطنة و كانوا يتفاخرون بوجوده و كان مزارا سياحيا لكل الجنسيات .
و كان الأمر كذلك في الدول التي زرتها كسائحة كدولة الإمارات العربية المتحدة و لكنها كانت أكثر تطورا و انفتاحا .
و المملكة العربية السعودية التي اختلفت تماما عندما زرتها في موسم حج ٢٠٠٤ عما زرتها كمعمرة في ٢٠١٤
و بدون مبالغة هذا ما يحدث عندنا في أقل من ثماني سنوات .
عندما استقل تاكسي و يتحدث السائق بدون وعي عما يحدث
أجد نفسي كأبي رحمه الله أدافع عما يحدث بصدق الرؤية و التجربة .
و أقول له بكل جراءة ” على فكرة اللي بيحصل دا طبيعي جداً “
احنا مش أقل من حد .
فيضطر إلى الصمت رغماً عنه .
ما يحدث من تطور تأخر كثيراً و لكن حسبنا أن كل شيء بأوان
من أراد أن يبني بيتاً و مستقبلاً له و لأبنائه يسافر و يتغرب و يجمع القرش على القرش يحرم نفسه كي يرمي أساس البيت .
فما بالك بمن يبني وطنا بأكمله !
دائماً كنت اشبه الفترة السابقة و بعد أن تجمد التطور بأننا قُفل علينا في بيت من ” الطوب الني ” نسمع فقط عن التطور و تقدم ماليزيا و سنغافورة و كوريا و و و .
و نحن محلك سر كل شيء ثابت في مكانه بل بدأنا بالتراجع أكثر .
إلى أن بدأنا نشعر أن هذه ليست ” مصرنا ” و نستحق كشعب أن نكون أفضل من ذلك .
في هذا الإطار كان لا يغيب عن مسامعي جملة الرئيس محمد حسني مبارك رحمه الله في معظم خُطبه ” أنا واخد بالي من الغلابة ” !
كنت لا أستوعب معنى هذه الجملة بحكم عدم الانخراط في الأوضاع السياسية فكل ما كان يربطنا بالسياسة نشرة أخبار التاسعة و افتتاح الدورات البرلمانية لمجلسي الشعب و الشورى و خطبة الرئيس في عيد العمال .
لكن بعد أن كبرت و استوعبت الأمور فهمت جيداً معنى هذه الجملة
و التي كانت السبب في عدم انفتاحنا و تقدمنا .
و لكي يتم التطور المنشود يجب أن نتحرر من الكثير من القيود للانفتاح الحقيقي على العالم و هذا ما يحدث الآن و لكن للأسف بعض العقول لا تستوعبه و لكني على يقين إنه مع مرور الوقت ستفهم و تقدر .
العالم الذي شاهدته و عايشته بالتجربة الواقعية أن لا أحد من هذه الشعوب ينعم كما يتصور الكثير منا بل هم شعوب عادية يشكون الغلاء و الأسعار و يعيشون حياة عادية جدا جدا .
لكن ما يهون عليهم الأمر تيسير القروض و بدون مبالغة يعيشون عليها مدى الحياة !
من لا يستوعب هذه الفترة المهمة و النقلة الهامة في حياة الشعب المصري و فكر بعقله ” الوطني الواعي ” فيما يدور حوله .لا أريد أن أقول أنه يستحق العيش فوق تراب هذه الأرض .
الدول الحقيقية لا تقوم و لا تستمر إلا بالانتماء الحقيقي للأرض و ليس الانتماء لحزب أو جماعة تدعوا إلى أفكار خاصة تقسم الشعب و الأرض
الانتماء الحقيقي أن تكون إيجابياً ترى بعين العقل لا بعين الغوغاء و التحزب .
الانتماء الحقيقي أن تفهم جيداً معنى كلمة دولة و أن لها مؤسسات حقيقية تدافع عنها و تحميها بكل صدق ووطنية و انتماء و شرف
و هدفها الأول.. حماية الأرض
و ثانيا.. حماية الشعب و إن كان عفواً من نفسه .
إذا كان لديك انتماء حقيقي سيكون عندك ثقة في أن مؤسساتها القوية لن تضيعها و أنها تحميها بروحها .
حقيقي في ناس أعداء للنجاح و هذا ظهر واضحاً في دعواتهم المحمومة للخراب في أهم أيام يجتمع فيها على أرض مصر قادة العالم في مؤتمر COP 27
حقيقي حب الأوطان من الإيمان و إن لم تكن مؤمنا بوطنك إيمانا حقيقيا
فلا تستحق أن تعيش فوق ترابه .
مصر محفوظة بعون الرحمن رغم أنف الحاقدين و هذا يقين في قلب كل مصري أصيل و لا شك عندي في أصالة شعبنا .
حفظ الله مصر و كل أوطاننا العربية .
التعليقات مغلقة.