لن أدعوَ أحداً..!؟ قصة قصيرة بقلم.. زكرياء نورالدين الجزائري
حدث أن أجالس نفسي من غير اتزان، هل أرمي بقدمي أم أرميكَ كما عهدت كل ليلة؟!. ما كنت لأراني غير ذلك الجلمود العتيّْ، الذي لا يهاب الموت، احقن في دمي جرعات السعادة و الفرح الخفي أسفل ذكريات الدم و الموت، لا أزال أذكر كل تلك الصرخات التي تُرهِب كل شيء، لا الضوء بساطعٍ و غمام القنابل منتشر منتشٍ بروائح ارواح أولئك الذين سقطوا بسلطتي أو بغيرها، الحرب التي خاضت في نفسي لم تترك غير الصراخ و العويل في مخيلتي.
لست متزن العقل..!
تلك حقيقة؛ و الادهى أنني ارى كل اولئك الذين انهيت حياتهم في جلساتي و اسفل انواري، بين جدراني و وسط الفراغ الممتد من هناك إلى هناك.
أظنني جالس إلى راحة مصطنعة، اقرأ رسالة احد الرفاق و التي ناولني اياها قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة؛ أسفل هذا الشمعدان الذي يذكرني بضوء الطائرات التي تحوم و تقصف.
يذكرك كما ألف، لا يأبه الجنود بالتفاصيل حسبهم موتى لا محالة، يرى فيك أسراب الطيور المهاجرة من الشمال الى الجنوب، تلك الرحلة الأخيرة التي كان يتمناها، أن يجلس و إياكِ في المدى الممتد على طول الهجرة التي تتخذينها و اياه، يجالسك كمن يحتويك، يملأ الظلامَ نور عينيك، لتزيحي بحضورك الأسى المترتب عن قبضة سلاحه، أن يطعمك الشكولاطة الفاخرة بملء شفتيه، أن يسقيك ريق اهوائه، أن يرى العتمة ساعة حضورك نهارا مشاكسا و ممتعا.
يراك كشريط اخبار على شاكلة “هام” ينتهك خلوته، تلك كانت رغبته، حتى الاريكة التي تسند ظهره ليست الا خندقا تفوح منه الجيف و الفضلات، أرادك كما انت؛ نابوليونية الهوى، لكن القدر يسبق حاضره و الموت اقرب له من أن يجالسك كما اراد أن تكوني، كقطعتين ذهبيتين تنيران دجى ظلماته ساعة توضع فوق عينيه حين يزف إلى قبره أو بالأحرى في خندقه هذا.
أُذكر لها كل ما ذكرت…!
يلح في طلبه هذا و روحه تنسل من بين أذرعي، أردت ان أقيم لنفسي شيئا من الخصوصية، أخذت ابحث عنك وسط الظلام، أن اضيئه بشمعدان كبير كبر أحلامه، أن استعين بوجوه الذين تشاركنا في قتلهم، علِّيَ أجد لك منهم شبهْا.
نتفقد موتانا علنا نرى فيهم ملامح من نحب.
هنا الجلوس اسفل الحضيض موت في حد ذاته، لا تزال الرؤى و الكوابيس الحاضر الحاضر، كل كلماته و امنياته أجدُنِي اطبقها كل ليلة ثلاثاء؛ يوم موته، لست اجدك ذاك حظه العثر، و لست ارمي بذكراه فذاك قدر، حتى انني لا أزال اقرأ في شاشة تلفازي كل “هام” عسى ان أرى فيه ما يقربك إليه.
انام كل ليلة على تلك الحالة من اللا وعي، استحضر مخيلته و افكاري، فالكثيرون يرون في استحضاري لجلساته قلة اتزان؛ هو كذلك، فالحرب لا تذر الرجال فحسب؛ بل تمحق كل شيء، حتى الرفقة التي تضَحِّي لأجل الجماعة لا تفلح في صد الموت عن أمانينا.
ما كانت عيناه لترف مرة اخرى و هي تُودِعُني آخر احلامها، كنتِ له قِبلةً و قلبا، لا أزال احتفظ بالرسالة دون أن افتحها أو ان اخترق خصوصيته و انتِ أحق بها، ما باليد حيلة و أنا مقعد مبتور الأطراف، حتى المخيلة التي حقَنَتْها الحرب بالأوجاع ما كانت لتبحث عنك سوى في الظلام و اسفل الشمعدان و في شريط “هام”.
انا لن ادعوَ أحدا؛ فمن يا ترى يجالس مُقعدا.
التعليقات مغلقة.