شهادة ميلاد جديدة بقلم.سامح خير
كعادته اليومية استيقظ رامز مبكراً ليقوم بواجبه الأسري بتوصيل ابنه لمدرسته التي تتميز بالالتزام الصارم بالحضور المبكر. كان الطقس غائماً والسحب تملأ السماء معلنة أنه سيكون يوماً ممطراً!
وصلا إلى المدرسة في الموعد المناسب وحيّا ابنه بابتسامته المعهودة متمنياً له يوماً موفقاً. بدأ الأب يومه بالفطور من الكافيه الكائن بمحطة البترول المجاورة للمدرسة، وهنا تقابل بالصدفة مع صديقه أمجد الذي لم يقابله منذ أكثر من 10 سنوات! بدأ الحوار التقليدي كيف ترك الزمن بصماته على ملامحهما وكيف تطورت الأحداث وشغلتهما الدنيا، حتى بدأ أمجد يشارك مع رامز أنه عنده طفلان بالمرحلة الابتدائية، وأنه يمر حالياً بأزمة مالية عصفت به وبأسرته بعدما خَسِر ثروة كبيرة خلال بعض المضاربات في البورصة، والتي لحقها خسارته لعمله بعد إهماله في تسليم المشاريع المنوط بها في مواعيدها وذلك لانشغاله بمتابعة أسعار الأسهم التي انهارت، فانهارت معها ثروته ووظيفته. واستطرد أمجد أنه اقترض مبلغاً من البنك منذ بضعة أشهر لفتح مشروع مطعم مع شريك له، ولكن المشروع لازال في شهوره الأولى ولم يحقق الربح المطلوب، وأعرب عن قلقه من ألّا يستطيع دفع أقساط الدين في وقتها فيزداد الطين بلة بتراكم فوائد الدين.
كانت ربع ساعة مليئة بالتجارب السلبية التي لحقت بأمجد خلال السنوات الماضية، فنظر رامز لأمجد وقال له: “واللي يطلعك من أزمتك هتعمل معاه إيه؟”
أمجد: “أديله عينيا و أشيله فوق رأسي”
رامز: “طب ابعتلي أسم المطعم ومكانه وقائمة الأكل بتاعتكم وبتعملوا دعاية إزاي و سيبلي الموضوع شوية وهرجعلك أقولك ممكن نعمل إيه”
أمجد: النهاردة حبعتلك كل حاجة، هات رقمك عشان غالباً ضاع من عندي لما غيرت الموبايل”
وفعلاً أرسل أمجد كل تفاصيل المشروع كما طلب رامز الذي يتمتع بخبرة واسعة في ذلك المجال أهلته أن يتولى رئاسة قسم التسويق بشركته الحالية!
اهتم رامز بدراسة المشروع وقام ببعض الإضافات والتعديلات الجوهرية، مثل إضافة هذا المطعم على كل منصات التوصيل المنزلي بالمدينة مع تعزيز الدعاية عبر تلك المنصات، وساعدته علاقاته في الحصول على عروض مخفضة من تلك المنصات بتسهيلات ميسرة في السداد حتى تناسب ميزانية أمجد المحدودة.
مرت بضعة أشهر أخرى فيتلقى رامز اتصالاً هاتفياً من مكتب أحد أكبر رجال الأعمال في البلد طالباً منه الحضور لمقابلة شخصية مع رئيس وصاحب هذا الكيان الاستثماري الذي يُعد من أكبر ثلاثة مستثمرين في المنطقة العربية بأكملها!
لم يدرك رامز هدف هذا الاجتماع ولكن فرصة مميزة مثل تلك الفرصة لا تأتي في العمر كثيراً، فيجب حُسن إستغلالها.
المسثمر الكبير: أهلاً وسهلاً بك يا رامز ، شرفت المكتب!
رامز: الشرف ليا، أنا بصراحة مش مصدق أني مع حضرتك في مكتبك، دي حاجة عمري ما كنت احلم بيها!
المستثمر: أنت هنا عشان حاجة كويسة أنت عملتها لصاحبك.
رامز ينظر في قلق و الشغف يملأ كل حواسه لمتابعة حوار هذا العملاق في التجارة.
المستثمر: أنت كُنت ماسك الدعاية بتاعة المطعم اللي فتحه أمجد و شريكه؟
رامز: اه فعلاً، عملتلها دراسة و شوية تعديلات وساعدته في الدعاية لمشروعه عشان يعرف يدفع أقساط الدين بتاعته. بس معلش هو فيه إيه، إيه علاقة ده بوجودي هنا؟!
المستثمر: المشروع مكسر الدنيا وصاحبك مش ملاحق على الطلبات آخر شهرين تلاتة، والشباب اللي شغالين معايا قالولي إن الشغل في مطعمنا تضرر جداً بسبب المطعم ده. أنا رحت بنفسي وشفت المطعم وشفت إن مطعمنا أكبر وأحسن منه بمراحل بس للأسف معنديش حد شاطر زيك يعملي حملة تسويقية زي اللي أنت عملتها مع صاحبك، فطلبت من الشباب يسألوا مين اللي عامل الدعاية و التسويق وطلبت منهم أقابله شخصياً.
استطرد المستثمر قائلاً: أنا يشرفني إن شخص ذكي زيك يكون شغال معايا وبعرض عليك تمسك قسم التسويق بتاع المجموعة كلها بكل أقسامها و بضعف مرتبك الحالي في شركتك.
رامز وكأن لسانه قد تلجم، فهو الذي كان منذ أسبوع يحلم مع زوجته بأن ينضم لهذه الشركة ولا مانع لديه أن يتنازل عن منصب مدير بشركته الحالية ليلتحق كموظف صغير بكيان ضخم ميزانيته أكثر من مليار دولار سنوياً!
المستثمر: إيه ساكت ليه؟! شكلك عايز تفكر شوية، حقك!
ثم أعطاه بيانات التواصل الشخصية وطلب منه أن يكلمه شخصياً حالما وصل لقراره.
صمت رامز لم يكن سببه التفكير في العرض؛ بل لأنه كان لم يكن قد فاق من صدمة المفاجئة التي فاقت كل توقعاته التي رسمها لهذا اللقاء المفاجئ.
رامز: بصراحة أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي على ثقتك دي و أكيد أنا مش محتاج أفكر ولا حاجة، بس هاطلب من حضرتك شهر أقدم إستقالتي وأنضم لفريق العمل هنا.
خرج رامز من مكتب هذا الملياردير ومشاعره متضاربة، هل أشكر أمجد لأن بسببه وبسبب مشاكله عرفت هذا الرجل، أم أشكر الظروف و الصدف التي جعلتني أقابل أمجد في هذا اليوم؟ ثم ركب سيارته وهو لا يعلم إذا كان في حلم أم في عِلم!
فرفع عينيه إلى السماء وشكر من رتب هذه البداية الجديدة، ليس لأمجد فقط بل له ولعائلته، فراتبه الجديد كفيل بأن ينقل الأسرة نقلة نوعية في أسلوب حياتهم كبيت جديد أو مدارس أفضل لأولاده!
كم من موقف مر بك عزيزي القارئ وأنت لا تدري إن كان هذا الموقف هو ميلاد جديد لك أو لغيرك!
كم من موقف مر أمامك وتعاملت معه ببساطة، فكانت الكلمة الطيبة التي قُلتها سبباً في ثبات بيت كان على وشك الخراب فصارت كلمتك كالميلاد الجديد لهم!
كم من مرة أسديت نصيحة لصديق محتاج توجيه فكانت نصيحتك شهادة ميلاده الجديدة!
دعوة مفتوحة لك أن تكتب بيدك شهادة ميلاد جديدة للكثيرين في العام الجديد. صدق الحكيم حين قال “كل شي ينقُص إذا قسمته على إثنين إلا السعادة إذا تقاسمتها مع الآخرين”.
التعليقات مغلقة.