لؤلؤة /إنسان مع العالم الآخر بقلم.. عبد الحميد أحمد حمودة
كان طفلا صغيرا لا يعرف ما يدور حوله مثل الأطفال الآخرين، لكن كانت لديه أشياء تميزه عن غيره من الأطفال؛ لم يشعر بالجوع، ولم يطلب طعاما، كان جسده نشيطًا وحيويًا، يضحك كثيرًا، وكان يبتسم دائمًا، حتى في نومه، يستيقظ وكله حيوية للعب حتى عندما يُترك وحيدًا، يمضي كل وقته في اللعب حتى يتعب ثم ينام بسلام.
مع مرور الأيام والأعوام وهو على هذا الحال، يراه الجميع غريبًا في سلوكه وأفعاله بخلاف بقية الأطفال، لا يشاركهم في لعبهم، ولا ينتبه لأي منهم حتى صار عمره سبعة أعوام، بدأ سلوكه يتغير، كان حزينًا بشكل واضح، لكنه لم يكشف أو يتحدث أبدًا عن أسباب حزنه وعزلته.
ومع مرور الأيام انقلب سلوكه مرة اخري، فاصبح يشارك الأطفال، في اللعب والدراسة، ومع بلوغه بدأ يشعر بالعديد من الأشياء الغريبة التي تحدث معه ومع من حوله، كان يسمع حديث الناس عنه، كان يسمعهم وهو منعزل وحده في غرفته، يشعر بمن يحاول الاتصال به قبل أن يتصل، يعرف من يقترب من منزله ويحاول طرق الباب قبل أن يفعل، بينما يجد دائمًا نقودًا في غرفته عندما يحتاجها، لا يتذكر ما كان يحدث في أحلامه حتى بعد أن يستيقظ.
بدا عليه القلق والخوف بسبب ما يحدث معه وهو يجهله ولا يدرك أسباب كل هذا، بدأ يختبئ وينعزل وحيدًا، بعيدًا عن الناس، ولا يحب أن يرى أحد أو يراه أحد، حتى حل يوم، أصيب فيه بحزن بليغ، وفي الليل سمع صوت امرأة من داخل المنزل جعلته يستيقظ من النوم.
غادر غرفته حتى وصل إلى صالة صغيرة بعيدة عن ممر غرف المنزل “استغرب الأمر”؛ امرأة جميلة جدا تجلس بمفردها أمامه وتنظر إليه بابتسامة جميلة، كانت ترتدي فستانًا أحمر مرصعًا بالأحجار البراقة والذهب، وعلى رأسها تاج صغير مصنوع من الذهب والألماس مثل الأميرات.
هنا تذكر طفولته، تذكر أنه كان يراها عندما كان صغيرًا، اعتنت به وكان معها أطفال آخرون يلعبون معه، كانت دائما توصيه، بأن لا يتحدث عنها ولا عن الأطفال الآخرين حتى لا يخرجهم أحد من المنزل ولا يراهم مرة أخرى
لم يتحدث عنهم أبدًا حتى بعد ذهابهم ربما يراهم مرة أخرى، لكن مع مرور الوقت، تلاشت من ذاكرته، ولم يبق معه إلا أثرها. -من أنت؟
أنا امرأة من الجان، اسمي لؤلؤة، أحببتك عندما كنت صغيرًا، كنت أهتم بك دائمًا، كنت أراقبك وأنت تكبر، حتى ازداد حبي لك.
أصيب بالذهول عندما سمع منها، لكن لسانه لم ينطق بكلمة.
نظرت إليه بابتسامة
أتمنى أن أبقى معك، وأن تبقى معي، وأن أكون زوجتك ولا يعرف أحد عنا، وأن تحقق كل ما تتمناه، ولا تعرف أي امرأة أخرى، أو تتزوج من أخرى وهذا هو الشرط الوحيد والعهد بيننا.
أصيب بالذهول عندما سمع كلماتها، لم ينطق بكلمة فترة، أما هي فوقفت مبتسمة تنتظر موافقته، دقائق وألهمه الله رفض ما طلبته رغم جهله بما سيحدث بعد ذلك، لكنها نظرت إليه بابتسامة
أنا أعشقك، ولن أجبرك على شيء لم توافق عليه، وسأكون معك دائمًا ولن أتركك أبدًا، الآن اذهب إلى الفراش حتى تنام، وأنا سأرحل
ولدينا لقاء آخر، ربما توافق على الاتفاق الذي تم بيننا.
اختفت من أمامه، ذهب إلى فراشه لينام، لكنه لم يستطع النوم، ولم يفهم ما حدث له.
بعد مرور بعض الوقت استطاع أن ينام، وحينها رآها في نومه ترافقه وتدخل قصرًا جميلًا كبيرًا
إنه قصري، وأنت الآن في عالمي
بسبب حبها الكبير وعاطفتها تجاهه أرادته أن يرى عالمها ويشاركها فيه
وفي القصر كانت تتدفق المياه بشكل جميل، كانت هناك أجمل الحدائق، الطيور التي ترضي أشكالها الناظر اليها، والعديد من الفتيات يركضن في الحدائق يلعبن مع بعضهن البعض.
بدأ يختطفه سحر ما يراه من جمال ونقاء،
بدا وكأنه معجب بها لدرجة أنها جعلته لا ينظر إلى امرأة أخرى، لم يدرك خطورة ما كان عليه، أخذه سحرها وسحر ما رآه منها.
حتى جاء ذلك اليوم، عندما وقع في حب فتاة جميلة، أحبها وفكر في الارتباط بها، بدأ يتقرب منها ويتحدث معها فربما توافق على الزواج منه والزواج منها، في ذلك الوقت ظهرت غيرة لؤلؤة فبدأت تؤذيها، مما أثر على جسدها وشوَّه جمالها.
-لماذا فعلتي ذلك بها؟
-أحبك ولا أريد أي شخص بالقرب منك غيري
في ذلك الوقت، تغلب على نفسه، وأخذته حسرة قلبه وندمه، كان سببًا في إلحاق الأذى بالروح التي لم يكن لها ذنب إلا أنه أرادها أن تكون زوجته.
استقر الحزن بداخله، وانفصل مرة أخرى عن البشر، داعيًا الله أن ينير طريقه للخير ويصرف عنه الشر.
عندما نام رأى شيخًا جالسًا داخل مسجد كبير يتلو القرآن، جلس أمامه ونظر إليه الشيخ مبتسمًا قائلا:
احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله.
استيقظ من نومه، سمع النداء فقام وتوضأ وصلى، وجلس يدعو الله كثيرا، حتى أنه رآها في المنام تبكي
لقد أبعدتني
ثم ابتعدت عنه ولم يرها، ولم يعد يشعر بها،
حتى الأشياء الغريبة التي كان يشعر بها دائمًا، لم يعد يشعر بها بعدها.
التعليقات مغلقة.