الفدائي …قصة قصيرة بقلم عبد الرحيم خير
أعدّ العدةَ ورتَّب الصفوف، أحكم الخُطَّةَ، وقسّم الجيش إلى كتائب، جعل لكل كتيبة قائدا، صفّهم جميعا ليكونوا في المواجهة، الجميع على أهبة الاستعداد، ينتظرون صافرة البدء وإشارة الهجوم، أشار لهم أن تقدموا، فقد حانت ساعة الصفر، عليهم أن يدخلوا جميعا، لكنّ الممر ضيق، ولن يسع الجميع، المهمة صعبة وعليهم أن ينجحوا في الاقتحام.
لحظة واحدة تحدد مصائرهم، يُسطِّرون بعدها أسماءهم في ذاكرة التاريخ، ويُسجّلون أحداثًا عظيمة تظلّ شاهدة على عصرهم، عليهم أن يعبروا جميعا قبل منتصف الليل وإلا فإنهم سيسقطون من حساب الزمن، لقد تم اختيارهم بعناية، مختلفون عن بعضهم، وهذا سر قوتهم، لا خيار أمامهم إلا العبور، لقد انتظروا طويلا، واستعدوا جيدا لهذا اليوم.
من يتخاذل يعاقب بالإبعاد، وعليه أن يعود أدراجه، باب المدينة لن يفتح مرة أخرى، وعليهم أن يعبروا اليوم وإلا فإنهم سينتظرون عاما آخر.
الأسوار عالية، والمدينة محصَّنة، لا يمكنهم القفز أو التسلّق ، يجب أن يضحي أحدهم بنفسه، ويدخل من باب المدينة في اللحظة التي يُفتح؛ لتوديع الراحلين الذين قضوا نحبهم في مشهد وداع مهيب، لا مجال للفشل، لا خيارات، يجب أن يدخل أحدهم ليلحق به الجميع وإلا فلن تنجح الخُطَّة.
اقترب فدائي منهم من المدينة، وصوَّب بصره ناحية الباب، كان يترقب وينتظر الإشارة؛ ليكون أول العابرين، اصطفَّ الجنود خلف الفدائي الأول، اختفى الجميع خلفه؛ يدفعونه للأمام، يحمون ظهره من الخلف، وبخطوات بطيئة اقتربوا جميعا من الباب، غاب القمر واقترب الليل أن ينتصف، المكان هادئ تماما سوى من أنفاس تتعالى وعيون تترقّب، وتنتظر لحظة الحسم، أطفأت المدينة أنوارها، وخلت شوارعها من المارة، حين دقت الساعة لتعلن الثانية عشرة، كانت هي اللحظة الحاسمة، وكان يناير هو الفدائي الأول الذي اقتحم المدينة من جنود العام الجديد.
التعليقات مغلقة.