ليلة حالكة قصة قصيرة بقلم / سيد جعيتم
غادرت النجوم وتوارى القمر، خلف الغيوم، وارتدت السماء ثوبًا حالك السواد.
نسمات الهواء الباردة تلسع الوجوه وتقرص الأبدان.
استتر الناس بجدران بيوتهم التي سكنها الصقيع، وتسلل للأغطية.
وحدتي عظمت إحساسي بالبرودة.
أحكمت الشال الصوفي حول رأسي وأذناي، نهضت أتأكد من غلق مزلاج الباب وغلق النوافذ.
ادخل أذان الفجر من مسجد القرية القريبة على نفسي بعض الاطمئنان، وخفف ما أشعر به من آلام، ومعه خفت صوت العواء والنباح، أخذتني سنة من النعاس مع تسلل دفء النور إلى جسدي.
طرق حبات المطر على النوافذ أثار شجوني وأنعش ذاكرتي وأنا مبتلة ألهو تحتها، وأنتظر عودة الشمس للشروق، وارتداء الحقول ثوبها النظيف البراق، قفز لرأسي تحذير أبي:
ابتعدي عن خص الغولة.
هل ياترى ما زال خصها صامدًا في وجه النوة ورياحها العاتية.
خصها منصوب بجوار الترعة، قريب من بيتنا، يتلافاها الناس وتتجنبهم، لا تخرج إلا ليلًا، ترتدي ملابس سوداء وتضع حزامًا حول وسطها، وتخفي رأسها ووجها تحت شال، لم يشاهد وجهها أحد، أجمعوا أنها دميمة خالفت قوانين قبيلتها من الغجر فشوهوا وجهها وطردوها، أطلق عليها أهل البلدة الغولة، حاولوا طردها منعتهم كلابها الضخمة التي نسيت النباح وتعوي كالذئاب.
عرجت بي ذاكرتي لدفء بيتنا وأمي تحتويني في صدرها، نزلت دموعي أمام كلمات أبي:
ـ خرجت عن طوعي، أنا برئ منك أنسى أن لك أبا وأم هذا البيت محرم عليك.
لم ارتكب ذنبًا، رفضت ابن عمي وتزوجت بمن أحب، كان مصيري الطرد.
سافر زوجي في مأمورية عمل، كان قلقًا فأقرب منزل يبعد عنا بنصف كيلو وتفصل بيننا حقول تخلو ليلًا إلا من صوت صرصور الغيط وحفيف الرياح عندما تلامس أوراق الشجر، ويشارك صوت البوم نباح الكلاب.
انقباض خفيف يشد أسفل بطني، أعدل من جلستي لأخفف الألم.
زاد زئير الريح من نوبات الانقباض والتقلصات التي أصبحت متكررة، مع نزول بعض الإفرازات، تعجبت فأنا في أسبوعي ال ٣٢.
حاولت طمأنة نفسي بالفرجة على التلفاز، الذي استمر في التحذير من هبوب عاصفة رعدية ممطرة، تنبهت لومضات البرق تتسلل من خلف النوافذ المغلقة وصوت الرعد يدمدم، ضحكت فقد كانت جدتي تقول إن النوق تتشاجر في السماء.
زادت مرات التقلص وتحولت الإفرازات لنزيف.
الجنين داخلي يضغط مسبب آلاما أسفل حوضي تنتقل لظهري.
نصحتني جارتي التي أوصاها زوجي بي باللجوء لبيت أهلي، فأنا بكرية وما أعانيه علامات ولادة مبكرة، سرحت وتملكتني الحيرة، هل سيتقبلني أبي، بعد خروجي من طوعه .
استدعت السيدة ابنها ليوصلني بسيارته.
هالني منظر السماء المكشرة عن أنيابها وشدة هبوب الرياح والمطر المنهمر.
السيارة تسير ببطء ورذاذ الماء الموحل يلتصق بزجاجها ولا تستطيع زاخات المطر إزاحته، اعترضت الطريق شجرة خلعتها الرياح من جدورها فسقطت بجوار خص الغولة.
لا مفر من إكمال السير على قدمي وأنا أغالب الآمي، ازدادت ضربات قلبي واندفع الدم لرأسي عندما عبرت من أمام خصها.
فتحت لي أمي الباب، صدمها انحنائي من الألم والوحل الذي يكسوني، سارعت باحتضاني، أتاني صوت أبي من خلفها يأمرني بالخروج للطريق وعدم العودة.
حاولت أمي الاحتجاج فجذبها للداخل واغلق دوني الباب، أظلمت الدنيا في وجهي وأنا أسمع صرخات أمي واستعطافها له.
مادت الأرض بي، هرولت باكية، أغوص في الوحل أنزلق وأعاود الوقوف، الألم يشتد والرجفة شلت قدرتي على التفكير، ناديت زوجي بصوت لم يغادر فمي، يا إلهي لا يوجد بشر لنجدتي، لا ملجأ لي سواك يا رب.
حرت أين أذهب.
وسط الظلام أتخبط أترنح والانقباضات تزداد
اتجهت نحو الترعة، لم أبال لهاتف اعتراني ستقتلين روحين.
خضت في الماء.
أشباح على الشط امتزج صوت عوائها ونباحها بالنواح والنحيب.
خرجت الغولة تستطلع الأمر.
في ركن من خصها الذي أسقطت الريح أعواد سقفه أفقت على بكاء الطفل .
التعليقات مغلقة.