السفينة.بقلم.محمد الدولتلى
انزوي في ركن مظلم محاولا الاختفاء بين ثنايا الزحام الصامت المرعوب من هول الموقف.
كان رعبه يفوق الجميع، فهو أعلم منهم بآثار الغضبة التي شملت كل الأحياء على الأرض ولم يستثن منهم إلا من كتبت له رحمة المنتقم النجاة.
كان هو الوحيد من بين الركاب الذي لا يستحق هذه الرحمة، فهو مطرود منها بما قدمت يداه، فقط لولا وعد الحق له بأن ينظر إلى يوم البعث، ارتعدت نفسه المخلوقة من النار تلك التي كان يتكبر بها لما أحس بحجمها الحقيقي أمام قوة لا محدودة.
في هزة عنيفة للسفينة ضاعفت رعب ركابها منعدمي الحيلة، اختلس نظرة الي رفاق نبي الله الناجين من كل أجناس المخلوقات ازداد شعوره بالهوان القاتل لكل كبرياء عندما امتدت أيديهم التي لا تملك لنفسها حيلة الي السماء محتمية بدعاء السند القوي الذي حرم نفسه من رحمته بعناد أحمق لا يتعدى مدى رؤيته تحت أقدامه الآثمة.
تحدث إلى نفسه الشقية ، إن كانت له القدرة على البكاء فكان هذا هو وقت ذرف الدم من مخارج العيون.، كم هو محروم، كيف كتب قدر الفقر على نفسه بيديه.
اشتعلت شرارة الغل المخلوق من قعر جهنم في صدره، لقد جعل من نفسه مجرد طريق تطؤه أقدام الخاطئين و تعافه الأقدام الصالحة حتى يتحقق تكريم الخالق لهذا الجنس المهين المخلوق من تراب الأرض بإعطائه العبودية لربه عن اختيار كامل.
تملكه الكره والغضب، أقسم بين جنبات النار التي خلق منها جسده الخفي عن الأعين والظاهر أثره في شرور الدنيا والتي تأججت داخله مجددا قسمه القديم لمولاه الذي انسلخ من ظل لطفه بخلقه، ليفعلن مالا يخطر ببال مخلوق ليسيطر عليهم، ليقدمن نفسه التي كتبت عليها اللعنة ان طلب الأمر حتى يسقط منهم ومن ذريتهم كل من يغفل ولو لبرهة عن رفع يده الي السند القوي الرحيم، ليجعلنهم تحت قدميه في نهاية الطريق كما جعله اختياره أن يكون دربا تحت أرجلهم، ليجعلن النظرة منهم شررا والكلمة نارا .
ليتعلمن من ظلمات قلوبهم ما يورثه لذريتهم وليجعلنهم أفجر منه بحق أنفسهم.
لا يفصله عن البر بقسمه الآن الا رسو السفينة.
مستوحاة من روايته (مأساة إبليس)
التعليقات مغلقة.