قصة قصيرة : غرام في الصحراء بقلم مدحت رحال
على مرمى البصر ،
وفي وسط البادية ،
يلوح من بعيد بيت من الشَعر
يوحي شكله وسعته بأن صاحبه ذو شأن .
معد ومزود بكل مايلزم لإقامة طويلة .
يربض على مسافة قريبة كلب قوي البنية حاد العينين ،
طويل الأذنين ،
كانهما جهاز التقاط لكل غريب من الأصوات .
ويستلقي داخل البيت رجل ذو لحية طويلة وشعر مُرَجل مجدول في ضفيرة طويلة تتلاعب يمنة ويسرة .
قوي البنية ، فاره القامة ، مرتفع الهامة ،
وسيم رغم مِسحة كآبة تَغشى مُحَياه.
تطالع فيه لأول وهلة رجلا من الأكارم .
وفجأة شق السكون أزيز رصاصة ،
وانطلق الكلب كالسهم في اتجاه الشمال ،
وانطلق الرجل في أثره .
على بعد نصف ميل كان الكلب يقف امام جثة ذئب اخترقتها رصاصة .
وصل الرجل وانحنى على الذئب يتفحصه .
رفع رأسه والدموع تنهمر من عينيه ،
فقد اخترقت الرصاصة جسد الذئب .
تلفت حوله ،
وعلى مقربة ، شاهد سيارة عسكرية تقف عندها مجندة أمريكية في يدها بندقية .
أدرك على الفور ما حصل .
حمل الذئب بين يديه وعاد أدراجه إلى بيت الشعر ،
سجى الذئب على الارض ، وانحنى عليه يتحسسه ويبكي بكاء حارا كمن فقد عزيزا .
أحس بخيال شخص يقف أمامه .
لم يرفع رأسه ،
تقدمت المجندة بحذر .
أثر فيها منظره وهو ينحني على الذئب ويبكي
حاولت أن تشرح له بواسطة مترجم أنها شاهدت الذئب يقترب من بعيد ناحية البيت ،
ظنت أن الذئب يريد به شرا فصوبت إليه سلاحها وأردته قتيلا .
خط على الأرض بإصبعه كلمة killer أي قاتلة .
وعلى الرغم من انها مجندة عاشت بين ازيز الرصاص ودوي المدافع وشاهدت الدماء والاشلاء ،
إلا إنها كانت هنا إنسانة .
أثر فيها بكاء رجل على ذئب فبكت .
رفع رأسه على صوت نشيجها ،
رآها ، فغر فاه وصاح :
نورا!!!
لا يمكن أن يكون ذلك حقيقة .
نورا تقف أمامه بلباس المارينز تحمل بندقية !
لقد وضع بيديه جثث زوجته نورا وطفليه في القبر ،
وهام على وجهه في البادية ،
يرافقه كلبه وفرسه وجرو ذئب كان يطعمه مما يصطاد ،
فأنس به ولازمه .
كيف هذا ؟
وهل يُبعث في الدنيا من في القبور ؟!
استغربت دهشته ، وغادرته عائدة إلى قاعدتها .
نكأت جراحه بعد أن توهم أنها اندملت .
عادت إليه في اليوم التالي لتطمئن عليه ،
وتعرفَ من هذه نورا التي صرخ باسمها ،
وكيف كتب قاتلة بالإنجليزية وهو البدوي التائه في الصحراء ؟
أخبرها انه درس في أمريكا ،
وانه عاد إلى بلده وتزوج بنورا ,
إحدى بنات القبيلة .
وأنها قضت إثر إصابة سيارتهم بقذيفة طائشة عندما توقف في إحدى محطات الوقود وهو في طريقه لزيارة أهل نورا الذين كانوا يقيمون في منطقة بعيدة .
اعتذرت إليه مرة اخرى ، فقد ظنت أن الذئب يريد به شرا خاصة أنه كان بعيدا عن البيت .
تناول آلة موسيقية صنعها بنفسه تشبه الجيتار الذي يحسن العزف عليه .
ودندن مقطعا من ترنيمة بدوية بصوت حزين :
لا تيجيني لا تحاول تعتذر
عذرك اللي ما أبي أن أسمعه ( ما أبي : لا أريد )
أطربها صوت الجيتار ولحن المقطوعة ،
كانت تحسن العزف مثله
ورجته أن يعلمها كلمات المقطوعة ومعناها ،
وفعل .
أخذت تتردد عليه ،
أنس بها وصار ينتظرها ،
وكلما رآها همس : نورااا
أحبته وعرضت عليه الزواج فأبى ،
لم يكن يرى فيها إلا أنها مجندة أمريكية دخيلة على ارضه .
أتته ذات ليلة ، وأخبرته أنها جاءت تودعه ،
فلم تعد تحتمل البقاء بعد أن يئست منه .
وانتظرها في البوم التالي فلم تأت .
ظن أنها تحاول إثارته ،
ومضت عدة ايام ولم تظهر .
وكالمسحور ،
وجد نفسه أمام القاعدة العسكرية .
لم يفاجأوا به ،
كانوا يعرفونه ويعرفون قصته مع إيلا المجندة .
وعلم أنها غادرت إلى الأراضي الأمريكية .
وعاد يخط الأرض بقدميه ويعنف نفسه :
( أحمق ، فقدت نورا مرتين )
عدة أيام مضت وهو لا يغادر بيت الشعر .
فهو إما عند قبر الذئب ،
سبب معرفته بإيلا ، نورا الامريكية
أو يحتضن جيتاره يدندن ذلك اللحن الحزين .
كان مستلقيا على فراشه ذات مساء ،
وقد غطى رأسه بكساء ،
وكأنه لا يريد أن يرى العالم .
كان بين النائم واليقظان حين أحس بحركة قرب البيت .
لم يلتفت ، .
ظن أنه الكلب أو حيوان بري يبحث عن بقايا طعام .
ما هذا !!!
عزف خافت لجيتار !!!
كأنك جننت يا ريبال ( يحدث نفسه )
صوت يدندن :
لا تيجيني لا تحاول تعتذر
عذرك اللي ما أبي أن أسمعه
هب واقفا كمن به مس وصرخ :
إيلااااااا
قبل أيام صرخ
نورا
والآن يصرخ
إيلا
أعاجيب الغرام !!
التعليقات مغلقة.