“حب أبيض” قصة قصيرة بقلم سيد صابر عبد العظيم.
لم تنــمْ هنية ليلتها من فرط التفكير هل يعني الأسطى زكي ماقاله حقا وهل للقصة بقية أم أنه محض افتراء كافتراءاته علي أهل الحته؟ لكن هل ياتري حدث؟ وهل لو حدث فبنفس البشاعة التي ألقاها الأسطي زكي؟ أم أنه يهول الأمر؟ لأنه إن حدث ستكون مصيبة علي حد تشبية الست هنية، والحتة تعشق المصائب وتنشرها في الهواء حتي لايبقي كبير ولا صغير إلا ويعرف كل تفاصيل الحكاية بل ويتحول من كونه مستمع إلى قاص ممتاز يزيد علي الحكاية تفاصيلا أكثر ويقوي الحبكة وينتصر لروايته أمام الروايات المختلفة المتراكمة في الأزقة بل ولا يتورع أن يقسم بكتاب الله أنه أول من يعلم، وكيف ستخبر الست هنية والدها المريض والذي لن يتحمل قلبه مثل هذا الخبر، وكيف لاتخبره وكلها مسألة وقت ويخترق الخبر مسامعه من كل شامت، مسألة وقت حتي تتناولهم الألسنه وتلوكهم قعدات النميمة النسائيه وقهوة الصنايعية، مسألة وقت حتى يعايرهم كل متذاكي لوثوقهم في غريب ، ساعة وأكثر من التفكير بلا نتيجة، استسلمت الست هنية لأهمية إخبار والدها حتي قبل أن تتأكد من الخبر وهل هناك وسيلة للتأكد من هكذا خبر؟ العار والذل كل ما يشغل بالها وهن النسوة اللائي لاحول لهن ولا قوة وأبوهم لا يغني عنهن من الناس شيئا والشائعات تطالهن صباح مساء لكن الآن أنه خبر يقين ليست شائعة ، فمذ تطلقت أختها الصغري والرابعة من خمس بنات وقد استقر في ذهن الجميع أنها أسرة ملعونة و أن ثمة أمر ما فيهن، وحتى مع سيل الإتهامات الذي غمر الحتة فلم يتجرأ أحد علي التصريح، الآن بات بمقدور الجميع أن يخرج لسانه الذي لجمه الخجل وتصنع التقوي، الجميع يتعجب من طلاق نساء هذه الأسرة، جميعهن لم يعمرن مع أزواجهن ولا حتي سنة، والطلاق يصم المرآة بالعار ولا يهز شعرة من رأس الرجل وكيف وقد ذقنَّ جميعهن نفس الكأس، هي هي الست هنية تحمل علي عاتقها حمل هذه الأسرة هي الست هنية ذات الأربعين خريفا والتي ضحت بتعليمهالتربية أخواتها لم ينهكها حملها سنوات طويلة ولا طلاقها بعد شهر واحد من زوجها الأول ولا نظرات الجيران لثوبها الشتوي والوحيد، اعتدتها قوية جميلة، والشقاء يمتص الروح والجسد لكن لا أدري من أين تستمد نورها الخاص؟ إنها قبس متوهج يشع أملا وحسنا، تعتلي محياها بسمة فاتنة تألفها، أذكر امتعاض أهل الحتة عند استأجاري لسطوح البيت، فأنا رجل وهن خمس نسوة بالبيت فما كان منها إلا أن هزمت كل رجال الحتة ودحرت ألسنتهم ،هى قوية إذا، جميلة والرجال معظمهم يفضلون المرأة الضعيفة المطيعة لكنها استقرت في أعماق فؤادي بكل مافيها من قوة وغُلب، كلام أهل الحتة لم يكن السبب الوحيد الذي جعلني أهرب من العزوبية، كان حبا خالصا دون سابق إنذار، شعر عم حسن أني وبالتأكيد طمعان في أجرة الغرفة لكني وعدته بالإلتزام بالدفع فعاودته الطمأنينة ، عم حسن هذا العجوز لا يرجو من الدنيا أكثر من تحصيل إيجار هذه الغرفة لم يسألني حتي عن أي واحدة أتحدث هل ساوى الطلاق بينهن بحيث أنه لافارق بين فلانه وفلانه طلما كلهن مطلقات، أود لوسألني ففي هذه اللحظة تجلس الست هنية لا أعلم لماذا لم أدعوها يوما هنية؟! هكذا مجردة من أي لقب لماذا أزيدها عمرا على عمرها بلقب الست؟ ، ومع هذا فهى ست في كل شيء خيم الصمت لدقائق أصبحت طويلة لم أكن أدري من عليه الحديث أولا وهذا العجوز يبدو أنه لن ينطق مرة أخرى طلما اطمأن للأجرة ، طال الصمت أكثر وبدأت أتجول في عقلي بحثا عن كلمة واحدة فلا أجد إلا صوت الست هنية:
-كتب كتابك علي هدى الخميس الجاي.
لماذا لم أنطقها “الست هنية” شعرت بطعمها لذيذا علي شفتي لكن امتنعت، وهل من العيب أن يتلفظ عريس باسم عروسهُ، نعم في لحظة أدركت كم كنت أحب الست هنية وكم شعرت بالفقد الشديد فالأن لم يعد بمقدوري أن أصل إليها إلا على هيئة زوج الأخت الفاضل وفرد من أفراد العائلة الكريمة، إنني بهذه الدقائق المعدودات من الصمت قطعت آلاف الأميال في الاتجاه المخالف لقلب هنية، آه الآن أنطقها مجردة الأن اختبر ترنيم اسمها لكنني علي أي حال أصبحت زوجا لهدى ، أصبحت فردا من أفراد العائلة الكريمة وأصبح بقدوري لفظ أسم هنية مجردا من أي لقب أصبح بقدوري أكثر من مجرد تجربة إسمها لذيذا يخرج من صدري،الأيام تمضي جميلة وسريعة قرب من تحب، لكن دوما للوقت سيف لانلمح سوي بريق خروجه من غمده يقطع أناملنا المتشبثة باللحظة فهنية كانت لي من البداية منعني عنها صمت لحظات وقربني من هدي تسرع هنية، كنت راضيا بهدى لأنها علةقربي من هنية قانعا بجمعة في الأسبوع تتجمع فيها العائلة الصغيرة بدفء حول مائدة أعدتها هنية.
تسلم أيدك…
_تبتسم فقط بامتنان بسيط، لكن أشعر أنها تخبئ جيشا من الكلمات خلف مجرد ابتسامة، كلمات لن تنطقها يوما الست هنية علنا، ولن يسمعها يوما الأستاذ حسن، كما تناديني الست هنية على الملأ،كانت رقيقة متحفظة على قدر من الثقافة المُرّة، تلك التي تعلمك إياها الحياة، أتذكر يوما عندما حل الصمت إحدى تجمعات العائلة
أطلقت هنية ضحكة على غير عادتها.
الجميع منتبه في انتظار كلمات هنية القادمة، طال الانتظار لحظات، العيون تدور لالتقاط حرف ينطلق من شفتيها الآن تنفرج الشفاه ويخرج الحرف خلف الآخر : ربنا كبير!
ساعات تمر والست هنية ناصبة عينيها على باب البيت؛ تتمنى دخول سلمى مبدده كل كلام الأوسطى زكي، كان الوقت وحده من يأتي ومع كل لحظة منه تغتم الست هنية أكثر،الآن كلمات تنتقيها الست هنية بعناية لتمرر المصيبة إلى الجميع، كلمات تدس بينها بعضا من أمل وعذر ورجاء لكن غصة في حلق الست هنية ودمعتان نازلتان علي خديها كانتا كفيلتين بكل شيء، سنوات من الشائعات التي لم تصدقها هنية، سنوات من الثقة والحب، تبكي هنية بكاءا مريرا على كل ذلك جملة واحدة، حين يلفظك كل شيء حتي النوم ،تصبح فريسة مثالية للذكريات ، تتكاتف كل مآسيك الفائته وتلج مباشرة إلى قلبك تخلبه حتي يدمي ،تتساقط دموعك دون أن تدري تماما لأي ذكرى تبكي ،خليط من الفقد والحسرة وتأنيب الضمير يتلاعب ،فجأة تفطن إلى مدي ضعفك وسذاجتك، هي هي الست هنية تحمل علي عاتقها حمل هذه الأسرة هي الست هنية ذات الأربعين خريفا والتي ضحت بتعليمها لتربية أخواتها لم ينهكها حملها سنوات طويلة ولا طلاقها بعد شهر واحد من زوجها الأول ولا نظرات الجيران لثوبها الشتوي والوحيد، تمزق نياط قلبها الخيانة نعم ليست شائعة وليست كذبة إنها الحقيقة وما أقبح الحقيقة حينما تكون علي هيئة مصيبة، وما أجمل أن تكون كذبا.
التعليقات مغلقة.