الحقيبة السوداء.بقلم.عفاف علي
وجدت نفسي رغم مرارة الأيام وقسوتها سعيدة.
هل ذهب عقلي نحو السحب؟ هل عدتُ أتناول أقراص المهدئات والمنومات؟.
نظرتُ لها، مبتسمة ضاحكة، هتفت بصوت طفل صغير: من أنتِ؟ أجيبيني ؟.
هرعتُ نحو خزانة ملابسي، ألقى نظرة سريعة، وجدتُ ملابس بكل الألوان إلا لوني المفضل، واجهتها، أين وضعت معطفي الأسود؟ أين حذائي الأسود، و حقيبتي السوداء؟.
لماذا قمت بتبديد أشيائي؟ لم تجب عن أسئلتي.
هرعتُ نحو غرفتي أغلقت الأبواب والنوافذ كي لا أراها أمامي، لكنني لم أجد النافذة أو الباب، لم أجد غير ستائر بيضاء معلقة، و رسومات تنبض بالحب على الحائط، وضعت نظارتها الجديدة، لكي أرى.
وجدتُ وردتي في زهريتها العتيقة ملقاة بجوار كيس أسود، قادني فضولي نحوه، هناك تقبع ملابسي السوداء، و نظارتي القديمة، وهاتفي.
صرختُ في وجهها: أمجنونة أنتِ؟.
ضحكت وبكيت، أحببت وبغضت، كيف هان عليك أن تلقيه هكذا؟.
نظرت لي نظرة ساخرة، أجبتها: ليس جميعهم، بعضهم مازالوا يحبونني؛ لكنهم منشغلون عنا.
تناولته من يدي بقوة مغتصب قرر أن يحتل بيتي، ألقته داخل الكيس الأسود، وأحكمت الإغلاق عليه.
توسلتُ لها أن تتركني أعيش ما تبقى من عمري في هدوء وسلام وحب، مللتُ الجدال والنقاش، حققتُ كل الأهداف المطلوبة مني، فلماذا تصرين على وجعي؟.
نهضتُ معها بخفة ودلال، وقفت أرتب هيبتي وعظمتي أمام المرآة، لكن لم أجدني، أين أنا؟ أين شعري الأبيض؟ أين تجاعيد وجهي وعبسه؟ أين نظارتي الضخمة؟.
وجدتُ مكانهما بسمة رقيقة، وعيون تلمع بالحب وضحكات تفوح عبيرًا، وجدت امرأة نضرة، تعبث في خصلات شعرها الأسود.
شعرتُ بالرضا، أجبتها: أنا لستُ عجوزا كما ظننتُ، راقني الفستان الزهري ولون حمرة خدي، طار عقلي من رائحة العطر، ما كل هذا؟ وأين كان؟ .
تطلعتُ في غرفتي فلم أجدها، حملتُ الكيس الأسود بيدي، خشيت أن أعود لعالمي الأسود، نزعت جملتي المشهورة من فوق شفاهي، الأسود يليق بي؛ لا، بل الحياة تليق بي. خرجتُ مسرعة، تركته بجوار القمامة، ومع أول خطوة نحو الحياة، رن هاتفي القديم بنغمته المشهورة.
أسرعتُ نحو الأمام مبتعدة، هرولت نحو الأمل، اشتريتُ هاتفًا جديدًا، وتعرفتُ على أصدقاء جدد، عدتُ امرأة يقودها الأمل رغم اليأس والخيبات.
لكنها مازالت تنظر لي وتبتسم، تلك الجنية التي تقبع بداخلي .
التعليقات مغلقة.