من وحي الصورة .بقلم.بوعون العيد
ها قد جَثَم اللّيل على مجْثمه ، ونشر أجنحته السوداء على الشقيقة سوريا فهجع تحت ظلالها الأحياء من بشر وحيوان ،ولم يبق ساهرا وسط هذا السكون المُخيّم سوى من أيقظتهم الفاجعة بعدما استحالت المُدن ركاما ، وتحوّلت الأبنية إلى أنقاض ،ثَمّة وساعتها بدأت الطبيعة تتنهّد لتُنفّس بعض أكدارها بعد ظُلمة ليل نضَخَت فيها النُجوم وجه أرض الشّام ، وقُبيل ٱذان الفجر تلك البُشرى التي بُشِر بها المشّاؤون في الظُّلم إلى المساجد بالنُّور التام ،….. كان للشقيقة موعدا ولقاء أكبر ألما من سابقيه ،حيثُ دكَّ بيوتاتهم وصيَّرها أطلالا . فلله الأمر من قَبل ومن بَعد ، ساعتها تفرَّست الوضع مليا حتى تقلَّبت المواجع بين جانحتيَّ ،وانحبست الأنفاس ،وشُدِهتُ حتّى بتُّ وكأنّي أهِيم على وجهي لا أعرف لي وُجهة ولا مُنقَلبا ، عدا الحَوقلة ، والدُّعاء ،والتضرٌُع لمن بيده ملكوت السّماوات والأرض فهو ولي ذلك والقادر عليه .
… ٱه ياكبدي ما أسمج الحال وما أهوله من منظر ، الكل في صخَب وجَلبة ،وبكاء وعويل أمام مشاهدَ مروَّعة لا يستشعرها إلاّ كلّ مفؤود ومكْلوم ،كيف لا والفَقْد شمل البيت وأهله ، والعائلة والجيران والأحبة والخلان .
… بنيتي نمت وأخيك ساعات طوال تفترشين الرّكام وتلتحفينه ، وتنظرين مُنقذك بنظرة مِلؤها التّوسل والإستعطاف خروجا من تحت الحُطام بحثا عن حياة جديدة كُتِبت في سِجلّ البقاء بعدما كاد الموت يُنسج خيوطه لولا رحمة ربي .
… نظرتُك ياشقراء تحرِّكُ لواعِج الأحزان ومكامِن الأشجان ،وإن كان لابدَّ من أن نذرف قطرةً من دموعنا على شقي في هذا الشِّبر الغالي فالنَذرِفها على والد ثَكل ولده كان أحبَّ إليه وألصَق ما كان بقلبه من حيث لا أمَل في رجْعته ، ولا رجَاء في لقائه.
… ما أجملك يا شقراء ،وما أكثر حُنوّك على أخيك فوالله نعم البنت والأخت أنت ،… أنت تحرُسينه رعايةً وعين الله ترعاكما ، كم أنت رصينة مُتزنة. لك من رباطة الجأش مايوقظ الهمم ويُحرّك العزائم في أولئك الذين تخلوا بعدما كانت هي نخوتهم وهبتهم .
… أنت يا صغيرتي وأمثالك رمز شموخ الشام ومجده ، وستُولّد المِحنَ صناديد من رحم الحرائر ، وأصلاب الفحول .
التعليقات مغلقة.