الحلقة الخامسة من آلهة مصرية قديمة الجزء الاول.بقلم.سيد جعيتم
معركة الآلهة
ستكون الحلقة الخامسة على عدة أجزاء
الجزء الأول من الحلقة الخامسة:
ارتبطت الديانة المصرية القديمة ارتباطًا وثيقًا بعلم الفلك وحركة الكواكب والشمس والقمر والنجوم، وفي بعض الأحيان بالسحر والأساطير، وأقدم أشهر هذه الأساطير وهي الأسطورة الملحمية للصراع بين الآلهة في قصة ( إيزيس و أوزوريس) والتي شملت الآلهة( ست)( حورس) (نيفتيس) (أنوبيس) كأبطال رئيسيين علاوة على مشاركة آلهة أخرى في الصراع.
بلا شك فإن الفن المصري القديم وفن الشرق بصفة عامة كان سابقًا لكل فنون الشعوب الأخرى، فلم تقتصر فنون المنطقة على الرسم والتلوين والنحت بل كان لنا السبق في فنون كتابة الأدب المختلفة (الروايات والقصص القصيرة والأغاني والموسيقى) وكذا فن التمثيل ( التشخيص)، كانت في مصر القديمة مسارح بها كل تقنيات عصرها من خشبة مسرح وستارة وخيال الظل للمشاهد الخلفية ومؤلف ومخرج وديكور وممثلين وعمل مصرح واخصائي مكياج وملابس ، وكانت هناك مسرحيات في المعابد تحت إشراف الكهنة، وقد عرف كهنة معبد أمون في مدينة طيبة فن تشخيص الروايات والقصص الأدبية بصورة مدعومة بالشعر والموسيقى أمام جمهور من الصفوة (الأمراء والنبلاء والحكام) قبل ما يعرف هذا الفن في بلاد اليونان بقرون كثيرة، كما كانت هناك مسارح شعبية تمثل رواياتها بين العامة في الهواء الطلق خاصة في الحقول في مواسم الحصاد في قرى ومدن مصر، وكان الممثلون يتجولون لتقديم عروضهم في كافة أنحاء القطر المصري ومنهم ا(راقصين وموسيقيين) والروايات كانت قصيرة لا تتعدى اكثر من عشر دقائق، وقدم قدماء المصريين فنونا مسرحية وجُدت نقوشها بالمعابد والمقابر، والفن المصري القديم يعتبر مصدرًا للاتجاهات الفنية الحديثة .
يقول المؤرخ الإغريقي هيرودوت (٤٢٥ ق.م.) إن كهنة أمون كانوا يعدون ساحة المعبد في الأعياد والمناسبات الدينية لتقديم عروض تشخيصية، خاصة في تشخيص الصراع بين ( أوزوريس و ست) فكان أحدهم يقوم بدور إله الشر (ست)، وأخر بدور الإله الطيب (أوزوريس) وغيره بدور إله التحنيط ( أنوبيس) ويتطلب دور الإله ( حورس) لطفل لمرحلة الصبا ورجل لمرحلة الشباب، وتلعب النساء أدوار (إيزيس ونيفتيس) ويدعم العرض بالموسيقى، ويؤكد الدكتور سليم حسن ذلك في موسوعة مصر القديمة، قد عثر العالمان كورنتس عام( ١٩٣٢ م) وكورت (١٩٣٨ق م) على برديات لنصوص مسرحية لعروض تتكون من أربعين مشهدًا خاصة بمأساة( إيزيس) وبحثها عن جثة زوجها فى كافة أقاليم البلاد، وصراعها مع ( ست) الذي يحاول منعها من إلتقائها بزوجها ( أوزوريس).
نبدأ بملخص عن أسطورة (إيزيس و أوزوريس)
أخذت معظم العبادات في الديانات المصرية القديمة أصولها من هذه الأسطورة.، ولم تحز أسطورة مصرية قديمة بما حازته، فهي أسطورة الموت والبعث بعد الموت، وتدور حول جريمة قتل( ست) لأخيه (أوزوريس) واغتصاب العرش مما يدل أن بعض الإلهة كانوا حكامًا على الأرض، وتركز على وفاء زوجته الإلهة ( إيزيس) وقيامها بتجميع أشلاء جثة زوجها بعد أن قطعها (ست) إلى اثنتين وأربعين جزءًا، ووزعها على أقاليم مصر، ثم
( إيزيس) وحملت ( حبلت) من (أوزوريس) بعد تجميع أشلائه وعودة الروح إليه وأنجبت ( حورس) لصبح (أوزوريس) ملكًا في مملكة الموتى.
سأحاول إلقاء الضوء علي أعمال ومواصفات الآلهة أثناء ذكر الأسطورة ثم أورد ذكر بعض الصفات الخاصة بكل شخصية التي لم ترد في الرواية عند ذكرهم منفصلين.
(أوزيريس / أوزير)
إله البعث والحساب والقوة المانحة للحياة.
رئيس محكمة الموتى.
من آلهة التاسوع المقدس الرئيسي في الديانة المصرية القديمة، حل مكان الإله القديم (خنوم) الذي كان يعبد في بلدة تسمى (سيد – زد)، ويصور على شكل تيس ثم تقمص الإله (أوزير/ أوزوريس) شكل التيس، وأطلق عليه روح (سيد – زد)، وهذه المقاطعة كان يرمز لها بإلهة على شكل سمكة الدرفيل (حات – محيت)، وتقديس هذه السمكة في تلك الجهة
دليل على أنها كانت تدرج في النيل وأن الماء المالح الذي تعيش فيه هذه السمكة كان يصل إلى هذه الجهة، وتوجد في دمياط إلى يومنا هذا، وحل أيضًا مكان إله قديم آخر يدعى (عنزتى) ببلدة (زدو) (أبو صير حاليًا)، وكانت عاصمة المقاطعة التاسعة مسقط رأس إله النباتات العظيم (أوزير).
(أوزير) هو بكر إله الأرض (جب) ويسكن في أعماق الخصب، فيخرج الزرع والأشجار وكل الثمرات المختلفة الألوان، وهذا هو المظهر الذي تتمثل به روحه على سطح الأرض. أما الرمز الذي تتقمص روحه في هذه البلدة فهو جذع شجرة قد شذبت فروعها، فأصبحت على هيئة وتد، وعندما كان يفيض ماء النهر ويطفو على الأراضي ويغطيها، كان الفيضان يرمز لغرقه، تخلص زوجته الإلهة (إيزيس)جثته من الغرق بمساعدة أختهما الإلهة (نفتيس)، وبذلك ينتعش «أوزير» ويحيا حياة جديدة بمفعول السحر، ولأن والده إله الأرض (جب) قد أمر بذلك، ومنذ ذلك العهد كان «أوزير» عاملًا فعالًا في نمو النباتات وجعلها مثمرة يانعة، ولذلك يعتبر إله النيل كما جاء في متون الأهرام.
في بداية الأسطورة، يحكم (أوزوريس) مصر حيث يرث المُلك من أجداده الذين يمتد نسبهم إلى خالق العالم، الإله (رع أو أتوم ) وتزوج من أخته (إيزيس) وهما وأخيه ( ست) من أبناء إله الأرض (جب) وإلهة السماء (نوت ) يرتبط ذكر (أوزوريس) بالقوة المانحة للحياة، والنظام الملكي القويم، وحكم ( ماعت) الذي يقوم على النظام المثالي الطبيعي وعلى النقيض من ذلك يمثل (ست )العنف والفوضى والصراع بينهما يمثل صراع بين النظام والفوضى، والخلل في الحياة الناتج عن الموت .
أشرفت (إيزيس) على تربية أبنها (حورس ) الذي أصيب بالتسمم وعملت على علاجه بالرقى السحرية حتى شفي ثم عملت على تقويته حتى شب ودخل في صراع عنيف مع عمه ( ست) إلى أن تم له الانتصار، وتم إحياء أبيه ( أوزوريس) ثم قام ( أنوبيس) بتحنيط الجثة للحفاظ عليها، لتكتمل الأسطورة التي يرجح أنها جريت في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد ويصبح (أوزوريس) ملكًا في مملكة الموتى .
وقد ذكرت الأسطورة التي شاعت بين عامة الشعب المصري لأول مرة في نصوص الأهرام الجنائزية على جدران غُرَف الدفن بالأهرامات بنهاية الأسرة الخامسة خلال القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، وتكررت عناصر القصة في نصوص التوابيت التي ترجع إلى الدولة الوسطى ( ١٦٥٠-١٥٥٠ ق م) وأيضًا بكتاب الموتى العائد إلى الدولة الحديثة (١٠٧٠-١٥٥٠ ق م ) وكذا في النصوص المصرية القديمة، بدءًا من النصوص الجنائزية والتعويذات السحرية ووصولًا إلى القصص، لكن لا يوجد مصدر يعطي فكرة كاملة وافية عن الأسطورة، التي اختلفت أحداثها باختلاف المصادر وعصور روايتها، كما تم تجسيد الأسطورة تمثيليًا في( تمثيلية منف) الموجودة على حجر شباكا، وربطت التمثيلية نظام الملكية الذي يمثله (أوزوريس وحورس) بالإله) بتاح( خالق منف، وقد ساد الاعتقاد أن هذه التمثيلية ترجع إلى الدولة القديمة( ٢١٨١-٢٦٨٦ق م)
واعتبرت التمثيلية من مصادر المعلومات حول المراحل الأولى في تطور الأسطورة، وفي سبعينيات القرن العشرين، رجح علماء المصريات أنها تُنسب إلى الدولة الحديثة .
وفي الأسرة العشرين(١٠٧٠- ١١٩٠ق م) سجلت حلقات الأسطورة أيضًا في كتابات هدفها الترفيه، وقد أورد ذكر القصة كثيرًا من الكتاب اليونان والرومان القدماء، وأيضًا ذكرها هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد في وصفه لمصر في عمله المعروف باسم التواريخ، وبعدها بأربعة قرون، ألحق ديودور الصقلي ملخصًا للأسطورة في عمله المعروف باسم المكتبة التاريخية وفي أوائل القرن الثاني بعد الميلاد، كتب بلوتارخ القصة الأكثر أكتمال وقِدمًا عن الأسطورة في كتابه حول العادات والأعراف الذي يعتبر تحليلًا للمعتقدات المصرية القديمة.
ورد بنصوص الأهرام أن دافع (ست ) لقتل (أوزوريس). أنه أراد أن ينتقم لأن (أوزوريس) قام برَكلِه، وفي نص من نصوص العصر المتأخر، قيل إنه قتله لإقامته علاقة جنسية مع زوجته (نيفتيس) فتجسد (ست) في هيئة حيوان متوحش( تمساح أو ثور) لقتل (أوزوريس وتشير قصص أخرى إلى أن جثة أوزوريس تم إلقاؤها في الماء أو أنه مات غريقًا، وهذا ما يرجع إليه اعتقاد المصريين القدماء أن من يغرق في نهر النيل يعتبر من القديسين ، وبنهاية الدولة الحديثة، قيل أن (ست) قطَّع جسد (أوزوريس) إلى اثنتين وأربعين قطعة بعدد الأقاليم المصرية وفرقها عليها، بعدها بدأت ( إيزيس) تبحث عن جسد زوجها بمساعدة ( نيفتيس) سيدة البيت وآلهة الولادة و الموتى بمساعدة آلهة أخرى منها(تحوت) ذو القوى العظيمة على السحر والشفاء و(أنوبيس) إله التحنيط ومراسم الجنائز.
ساهمت جهود هذه الآلهة في تأسيس الميثولوجيا المصرية عن التحنيط ، وفي الدولة الحديثة ارتبط موت وإحياء (أوزوريس) بالعيد السنوي لوفاء النيل حيث شاع أن مياه النيل تعادل دموع رثاء (إيزيس) أو السوائل في جسم (أوزوريس ) وعلى ذلك أصبح (أوزوريس) يمثل القوة الإلهية المانحة للحياة الحاضرة في مياه النهر وفي النباتات التي نَمَت بعد الفيضان.
وبعد أن جمعت (إيزيس) أشلاء (أوزوريس) وأعادته جسد كامل، قامت وهي في صورة الطائر، بنفخ الروح في جسده بأجنحتها ليحيا فترة قصيرة كافية لتجامعه، وحبلت بابنه ووريثه الشرعي (حورس)، وفي كل مكان وجدت فيه جزءًا من جسد زوجها بنى المصريون المعابد مثل معبد أبيدوس الذي يؤرخ لهذه الحادثة، حيث وجدت رأس (أوزوريس) وفي رسومات المعبد الذي أقامه الملك سيتي الأول أبو رمسيس الثاني .
بعد أن حبلت ( إيزيس) اختبأت في أجمة من البردي في دلتا النيل. يسمى هذا المكان (أخبِتي) ومعناه بالمصرية )أجمة البردي لملك الدلتا ( فقد كان ما في بطنها يشكل تهديدًا لـ( ست)، ويسمي الكُتّاب اليونان هذا المكان خِمّيس، ويشيرون إلى أنه قريب من مدينة بوتو أول عاصمة لأول دولة منظمة في مصر السفلى قبل قيام مملكة الجنوب ثم توحيد القطرين على يد الملك (نعرمر عام ٣٢٠٠ق م ).
توجد بعض النصوص تسافر فيها إيزيس إلى العالم الأوسع و تنتقل بين عامة الناس غير المدركين لهويتها. حتى أنها تستغيث بهؤلاء الناس لمساعدتها، وتستعين بآلهة أخرى لحماية ابنها أثناء غيابها، ووفقًا لإحدى التعويذات السحرية، يسافر سبع آلهة في صورة عقارب صغيرة مع إيزيس ويحمونها عندما تطلب المساعدة لـ ( حورس) حتى أنهم ينتقمون من امرأة ثرية رفضت مساعدة (إيزيس)، وذلك بِلَدغ ابن هذه المرأة، مما حتّم على (إيزيس) شفاء هذا الطفل البريء، نعود لـ (حورس) الضعيف المحاط بالمخاطر من لدغات العقرب وحتى آلام المعدة البسيطة، كما لدغه ثعبان من أعوان (ست) مما يعكس خوف المصريين القدماء من لدغة الثعبان وما ينتج عنها من سُم ، وقد استخدمت( إيزيس) قواها السحرية في إنقاذ طفلها، مع استعانتها بالآلهة مثل (رع ) (وجب) .
وبما أن الأسطورة تعتبر ملحمة فقد رواها الكثير بطرق مختلفة، رواها (بلوتارخ )
المؤرخ اليوناني المولود في عام ٤٦ للميلاد في مدينة تشيرونيا في بويوتيا في اليونان في منتصف القرن الميلادي الأول بشكل مختلف عن تلك الموجودة في المصادرة المصرية وقد أشار إلى (ست) بالاسم الإغريقي (تايفوس)، وقال إنه تأمر مع ثلاث وسبعين ضد (أوزوريس) حيث صنع (ست) صندوق مُفصَّل بحيث يناسب مقاسات جسم أوزوريس، ثم أعلن في مائدة احتفالية أعدَّها أنه
سيعطي الصندوق هدية لمن يدخل الصندوق ويتناسب مع مقاسه، قام الضيوف، واحدًا تلو الآخر، بالنوم في الكَفَن، لكن أحدًا لم يناسب الكفن مقاسه سوى (أوزوريس) وعندما رقد في الصندوق، أغلق (ست) والمتواطئين معه غطاء الصندوق على أوزوريس وأحكموا غلقه، ورموه في النيل، حيث طفا الصندوق، وبداخله جثة (أوزوريس)، وبعد النيل وصل إلى البحر ورسا عند مدينة جبيل اللبنانية و نَمَت شجرة حوله، أمر ملك جبيل بقطع الشجرة لعمل دعامة للقصر، فسارعت ( إيزيس) بتخليص الصندوق عن الشجرة حتى تستعيد جسد زوجها، وأصبحت الشجرة في جبيل موضعًا للعبادة لأهل البلدة، وتعطي هذه الحلقة من الأسطورة الغير مصرية ، تفسيرًا لسبب وجود جماعات تابعة (لإيزيس و أوزوريس ) في جبيل في عصر بلوتارخ وربما يعود تاريخ هذه الجماعات إلى الدولة الحديثة، ثم قام (ست) بسرقة الجثة وقطع أوصالها، بعدما قامت إيزيس بإعادته إلى الحياة، فأعادت (إيزيس) جمع كل أشلاء جثة زوجها ودفنتها، ما عدا عضوه التناسلي الذي أكله السمك في النهر، فاضطرت إيزيس إلى إعادة تشكيله بواسطة التعويذات السحرية(حسب كلام بلوتارخ)، لكن في القصص المصرية عن الأسطورة، تجد إيزيس العضو التناسلي سليمًا، والتشابه الوحيد مع قصة بلوتارخ هو في قصة الأخوين، القصة الشعبية التي تعود إلى الدولة الحديثة وتحمل بعض أوجه الشبه بأسطورة (إيزيس وأوزوريس) وحسب قصة بلوتارخ فأن (حورس) ولد قبل مقتل أبيه وإن الذي وُلد نتيجة الجماع بين (أوزوريس) بعد وفاته و(إيزيس) ابن آخر هو (حربوقراط ).
انتظروني في باقي أجزاء الحلقة الخامسة
التعليقات مغلقة.