شخصيات في التاريخ…
بقلم مدحت الرحال
شخصيات في التاريخ
قد يستهجن البعض أن نترجم أو بمعنى أدق أن نعرف ببعض الشخصيات التي وقفت ضد الإسلام وحاربت رسوله الكريم وماتت على ذلك ،
الغرض من ذلك أن نبين كيف أن عنادهم وكبرهم قد أوردهم موارد الهلاك ، رغم ما رأوه من صدق الرسول بما لا يخفى على لبيب ،
ثم لنحمد الله أولا وأخيرا على أن جعلنا مسلمين ولم نتعرض للفتنة كهؤلاء الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون .
وفي تقديمي لأبي جهل ،
فإني إنما أتحدث عن مرحلة من مراحل الإسلام كان لأبي جهل دور بارز فيها ، حري بنا أن نعرفه ونفهمه ليزداد يقيننا بأن الله ناصر جنده .
أبو الحكم ،
عمرو بن هشام بن المغيرة ،
لو قلت : أبو الحكم ،
لما عرفه كثيرون
ولكن إن قلت : أبو جهل
عرفه الجميع ،
سيد من سادات قريش ،
مخزومي القبيلة ،
وكانت / مخزوم أعز قريش رجالا وأغناها مالا ،
أبوه / هشام بن المغيرة كان قائد قريش في حرب الفجار ،
أمه / أسماء بنت مخرمة ، يمتد بها النسب إلى / حنظلة بن زيد مناة ،
ولذلك كان يقال لأبي جهل / ابن الحنظلية ،
قالها عتبة بن ربيعة يوم / بدر
كان حكيما ذا رأي سديد
وعقل رشيد
دخل دار الندوة وهو في الخامسة والعشرين من عمره ،
وهي الدار التي يجتمع فيها شيوخ قريش وكبراؤها يبتون فيما يعرض لهم من أمر خطير ،
وكان لا يدخلها إلا من تجاوز الخمسين من عمره ،
فاطلقوا عليه لقب : أبا الحكم
كان كغيره من قريش يقر لمحمد عليه الصلاة والسلام بكرم المحتد وصدق اللهجة وكرم الخلق والأمانة ،
إلى أن اصبحت قريش ذات يوم على نبأ زلزل مكة ،
فاضطرب أمرها وطاش عقلها :
محمد يقول إنه نبي ،
أتاه الوحي برسالة السماء ،
الإسلام ،
أدرك كبراء قريش وعظماؤها ما لهذه الدعوة من نتائج ،
فهي تهدم معتقدهم ، معتقد الآباء والأجداد ،
وهي تمس مراكزهم الاجتماعية وسيادتهم ومفاخرهم ،
وكان أبو جهل أول من تصدى لهذه الدعوة وحاربها بكل عناد وجبروت ،
وقد أفصح عن سبب هذا العناد وذلك العداء ذات يوم عندما سأله أحد رجال قريش فرد عليه :
ما جربنا عليه من كذب ،
ولكننا تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف ،
أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا
حتى إذا كنا كركبتي بعير قالوا منا نبي ،
فمتى تكون لنا هذه ،
كان حريا بأبي جهل على وجه خاص أن يسلم ويقر بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ،
فقد خبر بنفسه اكثر من شاهد على ذلك ،
ولو استشار عقله وحكمته التي أهلته ليدعى / أبا الحكم لأسلم ،
ولكنه الكِبر والعناد :
_ كان جالسا في فناء الكعبة ذات يوم مع نفر من قريش ،
فقال لهم :
إذا أتى محمد للصلاة ، فسآخذ حجرا أكاد أطيقه أرضخ به رأس محمد وهو ساجد ،
فأسلموني أو امنعوني
( اسلموني لبني هاشم أو امنعوني منهم )
وما لبث الرسول عليه الصلاة والسلام أن جاء .
وفيما هو ساجد حمل أبو جهل حجرا ضخما وتوجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليلقيه على رأسه ،
وما أن اقترب من الرسول حتى عاد القهقرى يرتجف وقد امتُقِع لونه ، وسقط الحجر من يده .
عجب منه أصحابه وسألوه عن أمره فقال لهم :
اقتربت من محمد لأفعل به ما قلته لكم ،
فإذا فحل من الإبل على رأس محمد فاغرا فاه ،
ما رايت مثل عِظٓم هامته ولا مثل قٓصرته ،
والله لو تقدمت خطوة لأخذني ،
_ وتكرر الامر مرة اخرى :
كان أعرابي من البادية قد باع شيئا لأبي جهل فماطله في حقه ،
جاء الأعرابي إلى أندية قريش عند الكعبة ونادى :
يا معشر قريش ،
من ينصفني من أبي الحكم ،
يماطلني في حقي ،
فأرادوا أن يسخروا منه فقالوا :
ما ينصفك غير محمد ،
وهم يعلمون مقدار العداء بين الرجلين ،
هذا رسول الله وذاك عدو الله ،
ودلوه على بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام
وتبعوه ليروا ما يكون بينه وبين رسول الله .
ذهب الأعرابي إلى بيت رسول الله وأخبره القصة ،
فقال له : هلم معي .
وذهب إلى بيت أبي جهل وطرق عليه الباب ،
خرج أبو جهل إلى رسول الله فقال له :
أعط هذا الرجل حقه ،
فقال أبو جهل : نعم ، الآن
وغاب قليلا وعاد فدفع للرجل حقه ،
عجب القوم منه وسألوه عن ذلك فقال لهم :
والله ما أن طرق محمد علي الباب حتى أحسست وكأن قلبي قد انخلع من صدري ،
وما إن فتحت الباب حتى رأيت خلفه فحلا من الإبل فاغرا فاه يهم أن يبتلعني .
كما قلنا : كان حريا به وقد رأى ذلك عيانا أن يسلم ولا يبقى على عداوته وعناده ،
ولكنه الكبر والحسد كتب عليه الشقاء ،
تمادى أبو جهل في غيه وضلاله ،
ولما توفي القاسم بن رسول الله قال أبو جهل :
لقد بُتِر محمد ، فإن مات انقطع عقبه ،
فنزلت :
(( إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ، إن شانئك هو الأبتر ))
نستطيع أن نرصد بعض المواقف التي تبين لنا من هو أبو جهل وكم كانت مكانته واثره خطيرة في مكة قبل الإسلام وبعده :
_ كان هو الذي أشار على زعماء قريش حين اجتمعوا في دار الندوة يتداولون في أمر محمد ، بأن ياخذوا من كل قبيلة من قريش فتى جلدا قويا ويعطوه سيفا ويرصدوا محمدا ليلا حتى يخرج من بيته فيضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل ، ولا يستطيع بنو عبد مناف قتال قبائل قريش فيقبلون الدية .
_ أراد بعض المحاصرين أن يقتحموا بيت رسول الله ليلا فأبى عليهم أبو جهل وقال :
لا والله لا تتحدث عنا العرب أنا تسورنا البيت ليلا على بنات محمد .
أبو جهل هذا هو نفسه الذي خرق العرف الأخلاقي وداس على المروءة التي يفخر بها العربي ،
فقام بطعن سمية أم عمار بن ياسر بحربته في موطن العفة منها ،
فقتلها وكانت أول شهيدة في الإسلام .
_ ويوم بدر أراد عتبة بن ربيعة الرجوع بالجيش عندما بلغهم سلامة القافلة التي خرج المسلمون يريدونها وقال :
ما أخشى إلا ابن الحنظلية أن يفسد علي الناس ،
يقصد أبا حهل ،
وهذا الذي كان ،
فقد أصر أبو جهل على أن يرِدوا ماء بدر ، فيقيمون عليه ثلاثا ينحرون الإبل ، وتغنيهم القيان ، وتسمع بهم العرب ،
فلا يزالون يهابونهم أبدا ،
فقُتٍل في المعركة فيمن قُتل من اصحاب القليب .
وحتى وهو في الرمق الأخير كان كِبره غالبا عليه ،
فقال لعبد الله بن مسعود وقد علا صدره :
لقد ارقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم .
_ اشتد أذى قريش بالمسلمين وخاصة المستضعفين منهم ،
وكانوا بحاجة إلى شخصية قوية تهابها قريش وتحسب لها ألف حساب ،
وهنا توجه الرسول عليه الصلاة والسلام بالدعاء إلى الله :
اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك
عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام
وكان عمر الخطاب أحب العمرين إلى الله .
أبو جهل هذا ،
الممعن في عدائه للإسلام ،
الطاغية
فرعون هذه الأمة
خرج من صلبه / عكرمة ابن أبي جهل الذي :
أسلم عام الفتح ،
وشارك في فتوحات المسلمين ،
وسقط يوم اليرموك شهيدا ،،
القيان : جمع قينة
وهي طبقة اجتماعية من النساء تدربن على الترفيه ،
وكانت موجودة في العالم الإسلامي قبل الحديث .
استخدم المصطلح لكل من المرأة الحرة وغير الحرة .
وبعضهن جاء من طبقة النبلاء تاريخيا .
ازدهرت القيان في ظل الدولة الأموية والدولة العباسية وفي الاندلس .
مدحت رحال ،،،
التعليقات مغلقة.