الجزء الثالث من حلقات آلهة مصرية قديمة بقلم : سيد جعيتم
الآلهة إيزيس
إلهة السماء والأمومة والسحر والخصوبة
الأم الإلهية للفرعون
إيزيس هي بطلة الأسطورة ( الممثلة الأولى ) وهي آلهة رئيسة في الديانة المصرية القديمة وقد انتشرت عبادتها في مصر وما وراء البحر المتوسط، وأصبحت واحدة من أشهر الآلهة في هذه المناطق خاصة العالم اليوناني والروماني، هي آلهة الخصوبة والأمومة والسحر والشفاء وأيضًا آلهة الموت والبعث، تنحدر من عائلة كلها آلهة، هي الابنة الأولى لإله الأرض (جب) وزوجته (نوت) إلهة السماء وشقيقة لزوجها (أوزوريس ) ومن أشقائها (ست) و( نفتيس) وأم لإله الشمس (حورس) مركز عبادتها في فيلة ( جزيرة بمحافظة أسوان) وأبيدوس
((مدينة بغرب البلينا بمحافظة سوهاج وقد كانت عاصمة مصر الأولى بمصر
ورمزها العرش، وقرص الشمس بين قرني بقرة
غالبًا ما كانت تُمثل في الفن أثناء المملكة الحديثة كأُنثى بشريَّة تلبس ما يشبه العرش على رأسها، وقد أخذت السمات التي كانت تتمتع بها )حتحور) وأصبحت (إيزيس) تُمثَّل وهي تلبس ملابس (حتحور) وعلى رأسها قرص الشمس بين قرني بقرة.
في الألفية الأولى قبل الميلاد أصبح ( أوزوريس وزوجته إيزيس ) أكثر الآلهة المصرية عبادة، وأخذت (إيزيس) العديد من سمات الآلهة الأخرى، بدأ حكام مصر وحكام جيرانها جنوبا في النوبة بناء المعابد المكرسة خصيصا لها، كما كان معبدها في فيلة أحد أهم المراكز الدينية للمصريين والنوبيين على حد سواء، كانت قوى (إيزيس) السحرية أقوى من باقي الآلهة، فهي المسيطرة على القدر وحاكمة السماوات والعالم الطبيعي وحامية المملكة من أعدائها.
في الفترة الهلنستية (323-30 ق.م) عندما حكم اليونانيون مصر، شارك اليونانيون المصريون عبادة (إيزيس) بالإضافة إلى إله جديد اسمه )سيرابيس) انتشرت عبادتهما في عالم البحر المتوسط الأوسع، أسبغ اليونانيون على إيزيس بعض السمات التي تميزت بها الآلهة اليونانية، مثل بركة الزواج وحماية السفن في البحر، وحافظت على روابط قوية بين مصر والآلهة المصرية الأخرى، مع استيعاب روما للثقافة الهلنستية في القرن الأول قبل الميلاد، أصبحت عبادة إيزيس جزءًا من الديانة الرومانية، وظلت عبادة إيزيس قائمة حتى انتشار المسيحية في القرنين الرابع والخامس الميلادي.
ظهرت بعض الآلهة المصرية في آخر عصر ما قبل الأسرات (قبل 3100 ق.م)، إلا أن كُلاً من إيزيس وزوجها أوزوريس لم يتم ذكرهما بوضوح قبل الأسرة الخامسة (2494-2345 ق.م). تشير مخطوطة من هذه الفترة إلى إيزيس من عصر الملك (ني أوسر رع)، كما تظهر (إيزيس) بوضوح في نصوص الأهرام أو متون الأهرام هي مجموعة من النصوص الدينية المصرية القديمة وتعد أقدم النصوص الدينية المعروفة في العالم. نحتت نصوص الأهرام باللغة المصرية القديمة على جدران الأهرام والتوابيت الحجرية في أهرامات سقارة خلال عصري الأسرتين الخامسة والسادسة، وتربط العديد من العبارات في نصوص الأهرام (إيزيس) بمنطقة دلتا النيل قرب بهبيت الحجارة وسمنود حيث يرجح أن عبادتها بدأت هناك.
بعد قتل (ست) لـ (أوزوريس) قامت (إيزيس) و(نيفتيس) وآلهة أخرى مثل )أنوبيس( بالبحث عن قطع جثة أخيهم من أجل تجميعها، وقاموا بحمايتها من التشويه بواسطة ست وأتباعه، وقد احتوت النصوص الجنائزية على بعض أحاديث (إيزيس) والتي عبرت فيها عن حزنها على موت (أوزوريس) وعن رغبتها الجنسية تجاهه وحتى الغضب بسبب تركه لها،
وقد لعبت كل هذه المشاعر دورا في بعث أوزوريس، في النهاية استعادت إيزيس النفس والحياة إلى جسد أوزوريس وجامعته لتضع ابنهما حورس.
صورت النصوص الجنائزية من المملكة الحديثة (إيزيس) في صورة (رع ) وهو يبحر خلال العالم السفلي، إذ كانت أحد الآلهة التي قهرت عدو (رع ) اللدود (أبوفيس) (أبو فيس هو الأفعى الشريرة في الميثولوجيا المصرية القديمة، وتعتبر رمز الشر، وبذلك فهي عدو رمزي الخير (رع وماعت) (وقد طلب الملوك أيضا قوتها السحرية الحامية ضد الأعداء من البشر، في معبدها البطلمي بفيله والذي يقع قرب الحدود مع شعوب النوبة الذين أغاروا أحيانا على مصر، وُصفت إيزيس بكونها حامية الأمة جمعاء وأنها أكثر فعالية في الحرب من ملايين من الجنود، وأنها تدعم الملوك البطلميون والأباطرة الرومان في محاولتهم صد أعداء مصر الخارجيين.
في ىإحدى القصص والتي تصف الأحداث الأسطورية وفي أحد التعويذات، خلقت (إيزيس) ثعبانا يلدغ (رع) وهو إله أكبر وأعظم منها لتجعله مريضا بسم الثعبان، بعد ذلك عرضت أن تشفيه إذا أخبرها اسمه الحقيقي السري، وهي معلومة تحمل معها قوة لا متناهية، أخبرها رع اسمه والذي نقلته إلى حورس كي تدعم سلطته الملكية، قد يكون المعنيّ من القصة توضيح سبب أن قوى إيزيس السحرية تتخطى كل الآلهة الأخرى.
أرتبط اسم ( إيزيس) بالمطر والفيضان وفي العصر البطلمي شملت دائرة تأثير الكون كله وفي ترانيم فيلة تمت تسميتها بأنها سيدة السماء وقد شملت سيطرتها السماء والأرض وفي نص من معبدها في دندرة (تقع دندره نحو (٥٥) كيلومترا شمال الأقصر على شاطئ النيل الشرقي والغربي ، مقابلة لمدينة قنا على الضفة الأخرى من النيل) يقول النص (في كل مقاطعة مصرية هي هنالك في كل مدينة وقرية، في كل مقاطعة تجدوها هي وابنها حورس).
أول معبد خصص لإيزيس كان في بهبيت الحجارة في شمال مصر وفيله في أقصى الجنوب، بدأ بناء كل من منهما في الأسرة الثلاثين وتم توسيعهم بواسطة الملوك البطالمة (تقع جزيرة فيله التاريخية -٣٠٠ متر طول. و١٣٥ عرضا- في جنوب مصر في الأراضي النوبية، وهي الآن مغطاة تماما تحت مياه بحيرة ناصر) وبفضل شهرة إيزيس الواسعة، جذب معبد فيله الحجاج من كل أنحاء ساحل البحر المتوسط وحتى حدود مصر مع النوبة، ثم تم بناء العديد من المعابد لإيزيس في هذه الفترة في المنطقة بين معبد فيله وبين معبد المحرقة، وكانت مراكز مهمة للعبادة سواء للمصريين أو النوبيين، بنى الكوشيون في النوبة معابدهم الخاصة لـ (إيزيس) جنوبا حتى عاصمتهم مروي.
وبعد ظهور المسيحية وحتى منتصف القرن الخامس الميلادي كان لا يزال الكهنة يمارسون فيه شعائرهم واحتفالاتهم الطبيعية في معبد إيزيس في فيله ، مما يجعله آخر معابد ( إيزيس) في مصر، وفي الأديان الجنائزية النوبية، كانت إيزيس تعتبر أكثر أهمية من زوجها، لأنها كانت الشريك النشط بينما كان هو يتقبل العطايا منها فقط لحمايته في الحياة الآخرة، وقد ربطت بعض الترانيم النساء الحوامل بـ (إيزيس) لضمان أنهن سيضعن مولودهن بسلام.
واجهت المعبودات المصرية مزيدا من العدائية أثناء الحرب الأخيرة للجمهورية الرومانية( 30-32ق.م)، عندما حاربت روما بقيادة أوكتافيوس –الإمبراطور أغسطس و مصر تحت قيادة كليوبترا السابعة و بعد انتصار أوكتافيوس، منع عبادة (إيزيس وسيرابيس) داخل البوميريوم قلب المدينة المقدس ولكن سمح بعبادتهما خارج البوميريوم، وبالتالي جعل الآلهة المصرية غير رومانية ولكن مسموح بها في روما ، وكانت (إيزيس) كثيرا ما تُعبد كإلهة القمر، موازية لسمات آلهةالشمس (سيرابيس)، و تشرف إيزيس أيضا على البحار والمواني، وقد كتب البحارة نصوصا طالبين منها أن تؤمن سلامتهم وأن تمنحهم الحظ الجيد في رحلاتهم.
التعليقات مغلقة.