الحلقة العاشرة من آلهة مصر القديمة .بقلم.سيد جعيتم
حساب الميت في الآخرة.
المصري القديم يؤمن بالبعث بعد الموت، وبأن هناك حسابًا، ثم الحياة الأبدية (أما نعيم وأما فناء)/ ويتحدد موقفه بعد أن يحاسب على سلوكه أثناء حياته في الدنيا، وحتى يبعث في الآخرة فلا بد من عودة الروح للجسد، ومن أجل هذا يتم تحنيط جثة الميت لحمايتها من التحلل كي تتمكن الروح من التعرف عليها، فالروح في عقيدتهم خالدة لا تموت، وبعد تعرف الروح على الحسد، تتم عملية البعث.
صور المصري القديم الروح في نقوشه ورسومه على هيئة كائن له جسد طائر ورأس إنسان، وهذا الطائر ينتقل بين العالم المادي الأرضي والعالم الآخر السمائي .
والحساب يكون أمام المحكمة الإلهية على ما فعله الإنسان في حياته من خير أو من شر، فيوزن قلبه في ميزان العدل والحكمة.
وبناء على ما ورد في كتاب الموتى (1275 قبل الميلاد): هناك أسئلة تسأل بواسطة الآلهة وهناك اعترافات نافية للذنوب يدلي بها من يتم حسابه ولا يستطيع إلا قول الحقيقة فقلبه يوضع على الميزان في كفة وريشة الآلهة (ماعت) في الكفة الأخرى، فإذا رجحت كفة ريشة (ماعت) فإنه يدخل الفردوس، وأما إذا رجحت كفة القلب من ثقل ذنوبه فإنه يذهب إلى الفناء، ويقوم بعملية الميزان (أنوبيس) ويسجل النتيجة (تحوت/ توت)، والفناء الذي يلقى إليه قلب العاص هو الكائن (عمعموت) والذي كانت المعتقدات المصرية القديمة تمثله على هيئة وحش مفترس، رأسه رأس تمساح وجسمه جسم أسد والجزء الخلفي من جسمه فرس النهر.
وتتكون هيئة المحكمة من 42 قاض، كلهم آلهة كل إله يمثل أقليم من مصر، ويرأسهم (أوزيريس).
وأمام المحكمة يدافع الميت عن أفعاله في الدنيا ويحاول إثباتا أنه كان يتبع الطريق القويم فيقول:
لم أقتل أحدا، ولم أفضح إنسانا، ولم أشك عاملا لدى رئيس عمله، ولم أسرق، وكنت أطعم الفقير، وأعطي ملبسا للعريان، وأساعد اليتامى والأرامل، وكنت أعطي العطشان ماء.
ثم يبدأ القضاة في سؤاله عن معرفته بالآلهة، فكان عليه أن يذكرها بأسمائها دون أن ينسى واحدًا منهم، وكان كتاب الموتى الذي يوضع معه في القبر يساعده على (المذاكرة) وحفظ أسماء الآلهة.
ثم يأتي وقت البعث ويذهب (أنوبيس) بالميت إلى عملية وزن القلب أمام ريشة (ماعت) للفصل في الأمر، فإذا نجح في ذلك يسمونه (صادق القول) بمعني المغفور له، فيعيدون تركيب قلبه في جسمه (المحنط) ويعطونه ملابس بيضاء زاهرة ويدخل جنة، يلتحق فيها بزوجته ويساعدهما خدم يسمون (أوجيبتي) أي مجيبين ويلبون طلباتهما، وإذا لم ينجح وطب قلب الميت في الميزان، يكون هالكًا حيث يكون (عمعموت) واقفا بجانب الميزان منتظرا لكي يلقوا إليه قلب المذنب فيلتهمه على الفور، ويكون ذلك المصير النهائي للفقيد.
وقد ورد بالوثائق الدينية والنصوص الجنائزية الواردة بكتاب الموتى ما يقوله من يتم محاسبته:
السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق، لقد جئتك يا إلهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك يا إلهي متحليًا بالحق، متخليًا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أكن كاذبا ولم أكن لك عصيا، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده.
إني يا إلهي لم تتسبب في جوع أحد، ولم أبك أحدا، وما قتلت وماغدرت، بل وما كنت محرضا على قتل، إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم أغتصب مال حرام ولم أنتهك حرمة الأموات، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش ولم أغش الكيل، أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر، وما دمت بريئا من الإثم، فاجعلني يا إلهي من الفائزين فأنا لم أحرم الماشية من عشبها، لم أصنع الفخاخ لعصافير الإله، لم أصطد السمك من بحيراتهم ، لم أمنع المياه في موسمها، لم أقم سدا أو عائقا أمام الماء الجاري، لم أطفئ نارا متأججة.
وقد ورد أيضا ببردية يشار إليها باسم (العاني) وهي مخطوطة بردية بالهيريغليفية المبسطة رسمت (1250 ق. م) في عهد الأسرة 19 في المملكة الحديثة بمصر الفرعونية. عدد 42 إنكارا هم:
لم أرتكب خطيئة- لم أشارك في سرقة مسلحة- لم أسرق- لم أقتل رجالا أو نساء- لم أسرق الحبوب- لم أسرق القرابين- لم أتعد على أغراض الآلهة- لم أكذب- لم أكن نهما- لم ألعن لم أزن- لم أبك الآخرين- لم آكل قلبي (لم أتجاهل الندم على أخطائي)- لم أندفع لعراك- لم أخدع- لم أصادر أرضا مزروعة- لم أتنصت- لم أفتر- لم أغضب دون سبب- لم أراود زوجة غيري- لم أقترب من زوجة غيري (يكرر الإنكار السابق، ولكن مع الاستدارة لإله آخر)- لم أكن جلفا- لم أنزل كارثة بأحد- لم أعتد- لم أغضب- لم أسد أذني عن كلمة الحق- لم أألم- لم أكن فظا- لم أنشر البغضاء (لم أرفض السكينة)- لم أتسرع في الفعل أو الحكم- لم أتدخل في شئون الآخرين- لم أتكلم بغموض- لم أكن عارا على أحد ولم أخالط الأشرار- لم أتآمر على فرعون (لم أكفر بفرعون) – لم أتدخل في سريان الماء- لم أرفع صوتي (لم أتكلم بخيلاء أو غضب)- لم أكفر- لم يعمني الغضب- لم أسرق خبزا من الآلهة- لم آخذ فطائر خنفو المتروكة لأرواح الموتى- لم أنزع خبزا من طفل، ولم أزدر إله مدينتي- لم أقتل المواشي المقدمة للآلهة.
تعالوا نتعرف على الآلهة التي تشارك في حساب الميت.
(أوزوريس) إله السماء ورئيس المحكمة، سبق ذكره باستفاضة.
-( أنوبيس) حارس الجبانة سبق ذكره باستفاضة.
(الإله تحوت/ أو توت) إله الحكمة عند المصريين القدماء. أحد أرباب ثامون الأشمونين (سبق ذكره في ثامون الأشمونين).
(توت/ حتحوت) وصور في كتاب الموتى، واقفا عند الميزان، ممسك بالقلم ولوح الكتابة في يديه، يدون أعمال الموتى، ويقدم الحساب إلى (أوزوريس).
(ماعت) آلهة الحق والعدل والنظام والمتحكمة في فصول السنة وحركة النجوم، نظير تحوت الأنثوي، سميت مصر قديما (أرض النيل والماعت )، كانت تمثل لدى قدماء المصريين العدل والحق والنظام الكوني والخلق الطيب، وتتبوأ ريشتها في محكمة الآخرة مركزا مميزا، حيث يقاس ويوزن أمامها قلب الميت لمعرفة ما فعله في دنياه، هل كانت حياته صالحة سوية مستقيمة تتفق مع ( الماعت ) أم كان جبارا عصيا لا يؤتمن إليه كذابًا، ومنذ الأسرة الخامسة (2510-2370 ق م) أطلق على الوزير المسؤول عن العدالة اسم كاهن ماعت، وفي فترات لاحقة ارتدى القضاة صور ماعت.
(عمعموت/ أمت أو عميمة)
آكلة الموت، كائن خرافي أسطوري بجسد أسد أو فرس النهر ورأس تمساح، لم يعبدها المصريون القدماء ولم تعتبر أبدا آلهة حقيقية، وكانت تمثل أسوأ مخاوفهم وكوابيسهم، كانت تنتظر قدوم الموتى لمحاكمتهم في منزل إله الموت (أوزوريس) بالعالم السفلي، وبعد أن يتم وزن القلب، إن كان نقيا أي أخف من ريشة العدل والنظام (ماعت)، مر المرء بسلام وأعطي ثوبا أبيض جميلا وحديقة يعيش فيها هو وزوجته يأكلون من ثمارها، وإن كان قلب المرء مثقلا بالذنوب والأعمال السيئة وأثقل من ريشة (ماعت) يلقى إلى (عميمة) ليلتهمه، فيمحى صاحبه تماما من العالم ويختفي من الوجود، ويقال أن الإله (أمحيك) الذي يحمل ذات اللقب- لم يكن إلا شكلا من أشكال (أمت) وربط البعض بينه وبين الإلهة (إيه) التي لديها شكل فرس نهر، نظرا للتشابه بينهما في الهيئة ودورهما بمحاربة الشر، وتخيل القدماء أنها تعيش في بركة من النار، تلقى فيها أرواح المخطئين، حيث تحمي البحيرة بدلا من التهام الأرواح، وربطها بعض الباحثين بالآلهة سخمت، لأن هذه الأخرى كانت تحمي البحيرة أيضا كما كانت لها هيئة أسد شبيهة بأمة.
انتظروني..
التعليقات مغلقة.