الجزء الرابع ( الأخير) من الحلقة الثانية عشرة من آلهة مصر القديمة بقلم : سيد جعيتم
(الآتونية)
تعالوا لنستمتع بترنيمات أخناتون للإله ( آتون) وقد وضعها ( 1345 قبل الميلاد) وأشهرها (الترنيمة العظمى) التي وجدت مكتوبة بالهيروغليفية على أحد الجدران الجانبية في مقبرة (آي) (المقبرة رقم 23، من المجموعة الجنوبية) في تل العمارنة. كتب النص في 13 عمودًا رأسيًا تشغل الحائط اليميني لبهو مدخل وهناك تشابه ملحوظ بين الترنيمة ومزمور داود (104من التوراة) كذلك وجد تشابه مع المزمور (145)، وسبق لي أن قلت في موضوع لي عن فرعون سيدنا موسى، أن من أعاد كتابة التوراة قد تأثر بالمصرية القديمة خاصة تعاليم (تل العمارنة ) أو العكس صحيح أي أن بعض النصوص المصرية قد تأثرت بوصايا سيدنا موسى عليه السلام.
نبذة سريعة عن مقبرة (آي):
هي آخر المقابر المشيدة بالوادي الغربي بوادي الملوك ، في منطقة الحاج قنديل جنوب تل العمارنة رقمها (23) وتعرف عالميا باسم WV23 أو( KV23 وتقع بالوادي الغربي بوادي الملوك بمصر( متاحة للزيارة) ، وهي المثوى الأخير لفرعون مصر) خپر خپرو رع آي( وقد كان وزير قبل أن ينصب ملك بعد وفاة (توت عنخ آمون)، فأصبح ثالث عشرة ملوك الأسرة الثامنة عشر، وتم اكتشافها عام 1816م، وهي مماثلة تماما في تصميمها الداخلي للمقبرة رقم (55) التي يعتقد أنها )لإخناتون (والمقبرة تعرضت لكثير من التخريب على مدار الزمان خاصة في عهد(حور محب) خليفة (آي) على عرش مصر، والذي حمل على عاتقه مهمة محو أي ذكرى لملوك حقبة تل العمارنة ، والمقبرة تحوي نقوش مماثلة لتلك المنقوشة على جدران المقبرة رقم (62) الخاصة بـ ( توت عنخ أمون ).
(ترنيمة آتون العظمى)
يذكر في العمود الأول المكتوب لترنيمة آتون العظمى أسماء الإله ( آتون ) والفرعون (أخناتون) وزوجته الملكة العظيمة (نفرتيتي) يركز النص على وحدانية الإله الممثل في قرص الشمس الإله الخالق المحافظ على العالم وخالق كل مظاهر الحياة على تنوعها ( آتون) سيد جميع البلدان، يشرق لهم جميعا ويحفظ حياة البلاد الأجنبية أيضا، حيث أنشأ نيلًا في السماء وجعله يهبط على الأرض، فهو ليس إله على مصر وحدها وإنما إلهًا للناس أجمعون، يذكر النص علاوة على ذلك الخاصية الكونية له كجرم سماوي كما يذكر خصائصه كملك على الناس.
نص ترنيمة آتون العظمى
مترجم من اللغة الألمانية، بواسطة عالمة الآثار (كريستين المهدي) حيث ترجمت الأصل الهيروغليفي إلى اللغة الألمانية:
تظهر في أفق السماء أيها الشمس الحية، الذي يقدر الحياة، تشرق في الأفق الشرقي في الصباح وتملأ كل البلاد بجمالك، أنت جميل وعظيم ومشرق الآن فوق جميع البلدان، و أشعتك تملك كل البلاد حتى آخر كل ما خلقت.
أنت رع عندما تصل إلى حدودهم وتجعلهم يركعون لابنك المحبوب.
أنت بعيد ولكن أشعتك تصل إلى الأرض، وإنك في وجوههم، ولكن مسارك مجهول.
عندما تغرب تحت الأفق الغربي يبقى العالم في ظلام، في حالة كالموت،
النائمون في بيوتهم يكسون أنفسهم بالغطاء، ولا ترى عين عين أخرى،
إذا سرقت أمتعتهم من تحت رؤوسهم، لا يشعرون، ويخرج كل وحش من مكمنه، والثعابين تعض.
الظلام كالقبر وتبقى الأرض ساكنة، إذ إن خالقهم قد غرب خلف أفقه.
وتشرق في الصباح على الأفق وتضيء كالشمس أثناء النهار، وتخفي الظلام وتنشر أشعتك.
ويظل القطران (الشمالي والجنوبي) محتفلين بالنهار، ويستيقظ الناس ويقفون على أقدامهم، فقد نصبتهم على أرجلهم، أجسامهم نظيفة ويلبسون الملابس، ويرفعون أذرعهم تقديسا لظهورك،وكل البلاد تمارس عملها.
كل الأنعام راضية بأعشابها وأشجارها ونباتاتها الخضراء، وتنطلق الطيور من أعشاشها، ترفرف أجنحتها تسبح بروحك، وتقفز كل الوحوش على أرجلها، وكل ما يطير يرفرف، ويحيون عندما تشرق لهم.
وتسير السفن الحاملة شمالا وجنوبا، وكل طريق ينفتح بظهورك،
وتقفز الأسماك في النهر أمام وجهك، وتملأ أشعتك قلب البحار.
أنت الذي ينبت البويضات في النساء، وتجعل من (الماء) أناسا.
وتبقي على حياة الطفل في بطن أمه وتهدئه فلا يسقط له دموع.
إنك المربية في بطن الأم.
وتعطي النفس لكي تحيا جميع المخلوقات.
وعندما يولد (الطفل) من بطن أمه، فلكي يتنفس وقت ولادته، فإنك تفتح له فمه كاملا وتعطيه احتياجاته.
وتكلم الكتكوت في بيضته الذي يتكلم من قشرته، تعطيه الهواء فيها لكي يعيش.
وتقدر له الوقت، ثم تكسر القشرة ويخرج منها، ويخرج من البيضة ينقنق في وقته، ويجري على رجليه عندما
يخرج منها.
كم كثرت أعمالك والخافي منها، إنك الإله الواحد، لا مثيل له.
خلقت الأرض برغبتك منفردا، فيها الناس والأنعام وكل الحيوانات،
وبكل ما على الأرض، وما يسير على أرجله وكل ما يطير بجناحيه في السماء.
البلدان الغريبة في سورية والنوبة وكذلك أرض مصر، كل تعطيه مكانه وتؤمن احتياجاته، الكل يحصل على غذائه، وتقدر قدر عمره.
يتكلمون بألسنة مختلفة، وتختلف ملامحهم، وتختلف ألوانهم، فإنك تخلق الشعوب.
خلقت النيل في عالم الخفاء، وتصعده بحسب رغبتك وتحفظ حياة الناس، لأنك أنت خالقهم، وإنك لهم، ترعاهم أنت أيها الملك على كل البلدان.
تشرق لهم، فأنت شمس اليوم، عظيم في رفعتك، وتُبقي كل البلدان الغريبة على قيد الحياة.
وخلقت نيلا في السماء لكي يهبط عليهم، يشكل أمواجا على الجبال،
مثل البحر لكي يرووا حقولهم، ويحصلون على ما يحتاجون.
كم أن تقديرك فعال، أنت يا سيد الأبدية.
نيل السماء تمنحه للشعوب الغريبة، ولكل حيوانات الصحراء،
التي تجري على أقدام، ولكن النيل الحقيقي يأتي من عالم الخفاء إلى مصر.
تُرضع أشعتك جميع الحقول، وعندما تشرق يحيون ويترعرعون من أجلك.
وخلقت فصول السنة لكي تتطور جميع مخلوقاتك.
في الشتاء يبردون، وفي الصيف يحرون، لكي يشعروا بك.
وجعلت السماء بعيدة المنال، لتعلو فيها وتري كل شيء قمت أنت بخلقه.
إنك فريد عندما تشرق، وفي جميع أشكالك كآتون الحي، الذي يظهر ويضيء، وتبتعد ثم تقترب.
وتخلق ملايين الأشكال منك أنت، مدن وقرى وحقول وطرق ونهر.
كل الأعين تنظر إليك عندما تظهر كشمس النهار فوق البلاد.
عندما تغرب لا تصبح عينك هنا، تلك خلقتها أنت من أجل خاطرها، لكي لا ترى نفسك كالأوحد الذي خلقته، تبقى في قلبي، ولا أحد آخر يعرفك إلا ابنك «نفر خبر رع – أوان رع» الذي جعلته يعرف جوهرك وقدرتك.
تخلق العالم بإشارة منك مثلما خلقته، وعندما تشرق يعيشون، وعندما تختفي يموتون.
إنك أنت عمر الحياة، وتعيش الناس منك.
وتستمتع الأعين بجمالك حتى تغرب،
وتـُترك الأشغال عند.ما تغرب في الغرب.
يا مشرق أنت، قوّي كل الأذرع للملك.
وأعط سرعة لكل قدم.
منذ أن أسست الدنيا، فقد أنشأتها من أجل ابنك، الذي نشأ من بدنك، ملك القطرين المصريين (نفر خبرو رع – أوان رع – ابن رع)، الذي يعيش من (ماعت) سيد التيجان( أخناتون) كبير في حياته.
والملكة الزوجة العظيمة، التي يحبها، ملك القطرين (نفرتيتي)
تبقى حية وشابة دائما وإلى الأبد
وقد سجل (أخناتون) مضمون عقيدته في نشيدين كان يتغنى بهما للإله (آتون) وجدا منقوشان على جدران بعض مقابر (تل العمارنة)، مثل مقبرة (آي).
ويلاحظ على اسم )آتون( المدون في خرطوشه أنه قد تضمن أسماء لبعض أرباب الشمس هم على التوالي (رع حور آختي – شو – آتون) وفي العام الثامن من حكم (أخناتون) حدث تغيير في كتابة خرطوش الإله، فقد حلت عبارة (سيد الأفقين) محل اسم (حور آختي).
أعود وأكد أن عبادة الشمس د على عبادة ( آمون) وعلى كهنته بدأت على الأقل منذ عهد (تحتمس الرابع ) وتجلت في عصر (أمنحتب الرابع/ أخناتون) وجذور العبادة الشمسية ترجع لفترات أقدم بكثير من عهد الملك (أخناتون) وتُعد من أقدم العقائد المصرية وأكثرها انتشاراً وقبولاً بين الناس، وقد عرف المصريون الكثير من الأرباب ممن ارتبطوا بالعقيدة الشمسية ولكن الجديد التي نادت به هذه العقيدة الآتونية أن (أخناتون) طلب من الشعب كله ألا يعبدوا غير إلهه (آتون) وهو أمر لم يتقبله الكثير من المصريين، وذلك لصعوبة القبول بالعدول عن معتقداتهم وأربابهم الكثيرة التي يعبدونها من آلاف السنين، ولأن عبادة ( آتون) كانت مرتبطة بوجود ( أخناتون) فقد تراجعت بعد وفاته ولم تصمد أمام ضربات كهنة (آمون)، وأمام الضربات الخارجية الناتجة عن انشغال ملك مصر بإلهه، وإهماله لشئون الإمبراطورية.
تم الانتهاء من آلهة مصر القديمة.
التعليقات مغلقة.