قصة للنقد : المخاضُ … بقلم الأديب علي جبل
قصة للنقد : المخاضُ … بقلم الأديب علي جبل
المخاضُ
فأجاءهَا المخاضُ تحتَ الأنقاضِ، تماهتْ صرخاتُها مع صرخاتِنا، صُمتْ آذانُنا، خَيّمَ صمتٌ رهيبٌ على الدنيا وكأنها عدمٌ، أظلمتْ الأرجاءُ إلاَّ قليلاً مِن ضوءٍ خافتٍ يُشِعُ مِن عيونِه، تماهَى صوتًه مع أصواتِ فرقعةٍ مُرعبةِ، وكأنَّ الدنيا تُعلنُ رفضَها لولادتِه.
وجدتُه بجوارِي مُلقَى على ظهرِه، أشعرني صوتُ بكائِه بأنّنا لا زلنَا على قيدِ الحياةِ، توقفَ صوتُ أبي فجأةً، بدأ صوتُ أمي يتلاشى تدريجيًا، أصبحتْ جثةً هامدةً لا تستطيعُ حِراكًا. أتَكَوَّمُ على مقربةٍ منها، مددتُ يدي لأزيحَ الترابَ عن وجهِها الجميلِ؛ أشعرتني أنفاسُها الدافئةُ بالحياةِ؛ فعادتْ بي الذاكرةُ لأيامِ الطفولةِ وكيفَ كنتُ أقفزُ-فرحًا-ما بين حِجرِ أبي وحضنِ أمي متلمسًا الدفئ والأمانَ اللذين كنا نفتقدهُما داخلَ الوطنِ، كانَ حِجرُ أبي كالسكنِ الوثيرِ، وحضنُ أمي كالوطنِ.
تم إبعادُنا قسرًا إلى هنا، وها نحنُ الآن بينَ الأنقاضِ، وكأننا قد كُتِب علينا الحصارُ،أبدانُنا هنا يُحاصرُها الترابُ والجدرانُ، وأرواحُنا هناك يُحاصرُها الطغيانُ.
وكلما علا صوتُ بكائِه، علتْ ابتسامتُها الجميلةً، وأضاءتْ نواجذُها ظلمةَ القبرِ الذي بِتنا فيه أحياءَ، فأشارتْ إليه، ثم إلى صدرِها، حاولتُ الاقترابَ كي تُرضِعَه،
ولكن جروحي البليغةَ حالتْ دونَ ذلك،
ماتتْ الكلماتُ على شفتَيْها؛ فأمسكتْ بيدي، ضغطتْ عليها بلطفٍ ولازالتْ تُوصيني به حتى غادَرَتْ.
وبرغم جروحِ جسدي، وكسورِ عظامي، انكفأتُ عليه كي يكونَ صدري وعاءً حانيَا له، وظهري جُنةً ووقايةً، لحظاتٌ، وانبلجَ الصبحُ انبلاجَ الحي مِن الميتِ، وما دلٍهم علينا إلا صوتُ بكائِه.
-هل مِن أحياء؟ – فيردُّ عليهم بالبكاءِ.
وكلما علا صوتُه بالبكاء؛ ارتفعَ صوتُ الآلات بحثًا عن أحياء. بدأ الضوءُ يزدادُ رويدًا رويدًا حتى انقشعَ الظلامُ تمامًا ولكن؛ على دنيا بلا سكنٍ، وحياةٍ بلا وطنٍ. فقد نجوتُ وأخي، وغابَ عنا حِجرِ أبي، وحضنِ أمي تحتَ أنقاضِ الزلزالِ.
انتهت.
أ. محمود حمدون
الله الله
حت انقشع الظلام , ليت الكاتب/ه , توقف أو توقفت عند ذلك
نص رائع, رقراق كما أصف النصوص الجميلة, مؤلم حد السواد الذي يحياه من ساقه خظه العاثر وما أكثر من يعانون تحت الانقاض.. تحياتي
أ. هالة علي
حديث الأمس القريب … سرد مؤلم جاد به خيال الكاتب/ة لنهاية عاصرناها، قد تكون تلك احداث ما قبل النهاية.
أ. شكري علوان
روعة نسجت بدقة محكمة، وما يزيد من روعتها واقعيتها.
أ. أحمد فؤاد الهادي
يختطفك الكاتب من الوهلة الأولى إلى موقع الحدث، بدقةوذكاء يجعلك تسمع مايسمع وترى مايرى، فتعيش اللحظات الحرجة وينتابك ضيق التنفس وتتطلع للنجاه، تسمع بكاء الرضيع الذي كان سببا في استجلاب النجدة، تنفض الغبار عنك وتعود إلى مقعدك لتثني على النص وكاتبه.
إيجاز وعنوان وفكرة ودراما ونهاية ومفردات وصياغة، كلها كانت خامات صنع منها المبدع هذا النص المتميز الراقي.
أ. درويش جبل
قصة رائعة ..سرد مشوق ..جسدت الحدث الأليم الذى اثر فينا جميعا.
تحياتى للكاتب/ه…
أ. مها الخواجة
سرد رائع لمأساة عايشناها منذ وقت قريب وتابعنا أحداثها، جسد/ت الكاتب/ة معاناة من تحت الأنقاض، وولادة حي المفروض أن يبعث الأمل ولكنه أمل ضعيف، أضاء نوره وأشعل جذوته صوت بكاء الوليد الذي دل فرق الإنقاذ لمكان الأحياء .. تحياتي للجميع
أ. فاطمة الرفاعي
نص جميل الفكرة والسرد رغم الواقعية والألم .. تحياتي
أ. نيرمين دميس
تحررت الأجسام من أنقاض جثمت عليها، بينما بقيت الأرواح أسيرة الظلم والطغيان، تبدد ظلام ليخلد داخل النفوس ظلام آخر لا يتبدد، فكان الوطن كثدي الأم الذي لم يلتقمه رضيعها.
كل التحية للكاتب/ة.
أ. فاطمة مندي
نص اكثر من رائع عن واقعة جميعنا عشناها مع زلزال سوريا وتركيا وعايشنا قصة هذا المولود الذي ولد من رحم الزلزال واخذ الزلزال امه معة احسنت صياغة الحدث تحياتي
أ. عبد الرحيم خير
وكأنه كتب على الإنسان الشقاء في الحياة من يوم ولادته وبداية رحلته مع الحياة بكدرها وهمومها، ولكن أي شقاء هذا الذي يجعل مولودا صغيرا يولد تحت الأنقاض ويفقد أقرب الناس إليه قبل أن يعرفهم ويعرفوه، أيٌّ قلب هذا الذي يتحمل كل هذه الآلام والمعاناة، أي حياة تلك التي بدأت بالمتناقضات حياة/ وموت، ظلام / ونور، ضحكٌ/ وبكاء” ، إنها الحياة المتسلطة بقسوتها على الضعفاء المقهورين، الذين أعلنت الحياة عليهم الحرب فحاصرهم الألم ولاحقهم الشقاء.
المخاضُ.
قصة مأساوية تصور جانبا من معاناة مستمرة لكل غريب فارق وطنه فارا بحياته هربا من الموت والدمار، العنوان معبر وقد تشظّى بدلالته في أحداث القصة بداية من مقدمتها التي تصور أول معاناة للإنسان في الحياة، وهي معاناة المخاض والولادة حين يفارق رحم أمه؛ القرار المكين، مستودع الأمان ومستقر السكينة إلى دنيا الكدر والشقاء، ليبدأ حياته تحت الأنقاض.
أجاد الكاتب/ة استخدام الأفعال وتوظيفها فاستخدم الأفعال الحركية والتي عبرت بقوة عن الفزع والرعب في ظل الدمار والحصار تحت الأنقاض، كما أجاد/ت اختيار العبارات القصيرة التي تناسب المعنى وتلائم حالة الشخصيات مثل ” فأجاءهَا المخاضُ تحتَ الأنقاضِ/ تماهتْ صرخاتُها مع صرخاتِنا/ صُمتْ آذانُنا/ خَيّمَ صمتٌ رهيبٌ على الدنيا / وكأنها عدمٌ/ أظلمتْ الأرجاءُ/ وكأنَّ الدنيا تُعلنُ رفضَها لولادتِه”
تناوب السرد بين الراوي الغائب والمتكلم أدى لتداخل الأصوات واضطراب المعنى في بعض العبارات خاصة في الفقرات القصيرة.
المخاضُ قصة مأساوية حزينة صورت أحوال بعض المهجرين الذين هربوا من الموت إلا أنه مازال يلاحقهم، قصة صورت وعبرت عن معنى قوله تعالي: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ” لكنه قانون الدنيا وطبيعة الحياة، أن بعد العسر يسرٌ وبعد الظلام فجرٌ وبعد المخاضِ ولادةٌ وحياة.
أجمل الامنيات للكاتب/ة بدوام التوفيق والإبداع.
أ. محمد المراكبي
نص ما اجمله و سرد ما اروعه …لولا “اللذان كنا نفتقدهما ،”
أ. أبو مازن عبد الكافي
بسم الله …
قصة المأساة المزدوجة، الهروب من الموت إلى الموت.
المهجرون الفلسطينيون الذين حلوا لاجئين في شتى بقاع الأرض وجلهم آثر القرب واللجوء في بلاد مجاورة للوطن، وعاش يراوده حلم العودة وأمل انتهاء الغربة.
أقدار تسعى خلفنا ولامهرب منها، وهكذا هي الحياة في بقعة من الأرض رضيت بالهوان وسلمت الراية وخنعت وخضعت وتشرذمت وفرقتها الحدود والعصبيات.
الأمة العربية التي جمعتها اللغة والدين والثقافة والحضارة، تخلت فتدلت وتعلقت في ذيل الأمم.
نجح الكاتب في رسم مشهد درامي من الواقع المرير، تراجيديا من الدرجة الأولى، انخلعت معها قلوبنا وسألت معها دموع أعيننا.
سرد مكثف يعتمد على التتابع السريع في وصف المشهد الدامي، مع اختيار الكلمات والجمل المعبرة المؤثرة بدقة.
فلسطين.. سوريا وقصة المأساة المزدوجة لأسرة فرت من الموت إلى الموت. ولكن ولد الأمل وعاش وقيض الله له من يرعاه (الطفل الوليد وأخته)، إلى أن ينبلج الصبح وينقشع الظلام.
تحياتي وتقديري لكاتب/ة هذه التحفة السردية الرائعة المروعة.
أبومازن عبدالكافي.
صباح الأحد
28/5/2023m
أ. مي عامر
جميلة جدا والمفردات حلوة والسرد سلس لقطة لقصة تجسد معاناة انسان يبحث عن الحياة
أ. تعليق الأستاذ محمد كمال سالم
كل كلمات الشكر لا تفيكم حقكم/
محمود حمدون
Halla Ali
شكري علوان
أحمد فؤاد الهادي
Darwish Gabal
مها السيد الخواجه
فاطمة الرفاعي
Fatma Mondy
عبدالرحيم خير
Mohamad Al Marakby
Abo Mazen AbdElkafy
مي محسن عامر
يسعدني أن أعلنكم بصاحب هذا النص وهو صديق مقرب يبهرني دائما بقلمه المتطور دائما، يثب وثبات واسعة وعظيمة نحو تقديم قصة نموزجية
دعوني أشكر معكم الأستاذ المبدع الجميل/ علي جبل
أ. أحمد فؤاد الهادي
الأديب الهادئ المبدع الأستاذ علي جبل
نص متفرد في كل شىء وليس عليك بغريب، لك كل التحايا والود والتقدير.
تعليق الأديب علي جبل
كل التحية والتقدير والاحترام لحضراتكم جميعا على تعليقاتكم ونقدكم وآرائكم المقدرة.
وامتناني لقيثارة الإذاعة المصرية الأستاذة جيهان الريدي، وأستاذنا الأديب الأريب، وصديقي الحبيب
الأستاذ/ محمد كمال سالم وكل القائمين على
هذه الصفحة والبرنامج المميز.
وشكرا للأساتذة الأفاضل
الأستاذ أحمد فؤاد الهادي
والأستاذ محمود حمدون
والأستاذ شكري علوان
والأستاذة مها السيد الخواجه
والأستاذة فاطمة الرفاعي
والأستاذ عبدالرحيم خير
والأستاذة مي محسن عامر
والأستاذة Halla Ali
والأستاذ Darwish Gabal
والأخ الصديق Mohamad Al Marakby
والاخ الصديق Abo Mazen AbdElkafy
والأستاذة Fatma Mondy
وكل من ساهم بالراي او النقد او النصح او التوجيه.
جزاكم الله جميعا كل الخير.
التعليقات مغلقة.