خطوات قصة قصيرة بقلم / سيد جعيتم
طلبت منها مديرة الدار أن ترتاح وتخلد للنوم:
أُرهقتِ اليوم، رغم حالتك الصحية صممتِ على زيارتك الأسبوعية لمقام السيدة نفيسة، أتعبك تزاحم السكان المجاورين للمسجد حولك، بعدها زرتِ دارين للأيتام.
مهما حاولت فلن أستطيع أن أصف مدى إحساسي بالراحة وأنا في جوار ستنا نفيسة العلم.
أنهت صلاتها، رددت وردها اليومي، نامت على شقها الأيمن، ملأت البسمة وجهها وهي تتذكر وجوه الأطفال الملائكية في دور الأيتام وهم يلتفون حولها، حمدت الله، ورددت الشهادتين، نامت قريرة العين.
تسير بين أضواء لا متناهية، تتلفت لتعرف مصدرها، جالت بوجهها في جمال يلفها، تعجبت فهي مصدر النور، أطفال يرتدون البياض يلوحون بها، تناديها السيدة نفيسة:
أقبلي.
أين أنت يا حفيدة رسول الله؟
تسمعها تتلو آخر آيات سورة الفجر-( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي(-.
في الصباح اتصلت مديرة الدار بابنتها، أبلغتها بوفاة أمها.
فاجأها خبر الوفاة، تشتت ذهنها وتملكتها الحيرة , الخبر أربك حسابتها، وقت الجنازة يتعارض مع موعد إذاعة حلقتها الأسبوعية عن الترابط الأسري التي يتابعها آلاف المشاهدين، سارعت بالاتصال بأخيها الدكتور الشهير في لندن، أبلغته بالوفاة، طلبت مشورته في الموقف الذي وجدت نفسها أمامه.
-(لولا ارتباطي بمواعيد لكنت قد حضرت، اتصلي بالمسئولين اطلبي تأجيل الجنازة لحين انتهائك من تقديم حلقتك، سأعطيك عنوانًا ورقم هاتف تتصلين به، هو متخصص في الجنازات، سيرسل من تقوم بالغسل والتكفين، وسيرسل من يحملون النعش حتى يواري التراب، أنت لا تضمنين وجود مشيعين، أعلني أن العزاء على المقابر، اكتبي نعيًا يليق بنا وانشريه بالجرائد، لا تنسي تكليف محامي الأسرة لسرعة إنهاء الإجراءات الخاصة بالميراث)- ..البقية في حياتك. وصل خبر وفاة والدتها لأسرة البرنامج، أعلنت المذيعة نبأ وفاة والدتها، و شكرت الدكتورة على تضحيتها رغم مصابها الأليم وحرصها على عدم التخلف عن القيام بواجبها تجاه المشاهدين.
ظهرت على الشاشة بوجه يكسوه الحزن، انهالت المداخلات عليها تعزيها في مصابها
. أصر البعض على مرافقتها للمقابر، أسقط في يدها، لم يكن في الحسبان ذهابها.
زحام من أول الطريق المؤدي إلى المقابر، على باب المقبرة تزاحم وتدافع وبكاء، دققت في وجوههم، ملابسهم تدل على أنهم بسطاء، لا تعرف أيًا منهم . وجدت مديرة دار المسنين في انتظارها، شدت على يدها معزية، تنحت بها جانبًا، طلبت منها التحفظ على الأشياء الثمينة الخاصة بوالدتها.
كل ما تركته بالدار يا سيدتي سلسلة ذهبية بها صورة لك و لأخيك وأنتم صغار.
اقترب منها متعهد الجنازات، أبدى أسفه لعدم تمكن معاونيه من حمل النعش فقد حمله الناس عنوة .
وجدت نفسها تتلقى العزاء من مئات المشيعين.
تقدم منها محامي الأسرة، قال لها:
وثقت والدتك وصيتها، أنتظر حضورك وأخيكِ، لفتحها أمامكم.
بقلم: سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.