حلقات مسلسلة : يوميات ناظر المحطة(4) بقلم… محمد كمال سالم
الناظر: خلاص أروح أنا بقى.
الأمين: تروح فين يا حاج، أما عجيبة! هو علشان بنكلمك بالحسنى علشان سنك الكبير ! اقعد على جنب هنا على ما الباشا يرجع، والا أحط الكلبش في إيدك.
سكت الريس محمد عيسى للحظة، كأنما يحاول استيعاب ما سمع، لمح نظرات الموجودين نحوه، ثم وجه كلامه للأمين:
إنت بتكلمني أنا باللهجة دي؟! وكان يشير بسبابته إلى روحه. أيوا باكلمك انت، أومال باكلم امي.
هنا هاج وماج ناظر المحطة، وقرر أن يدافع عن كرامته ووضعه كموظف كبير في الدولة لا يسمح بأن يتطاول عليه أحد، ولو كان حتى من رجال الشرطة، ولو كان أيضا في عقر عرينه وسلطانه،
علا صوته هو والأمين وهما يتبادلان السباب، تجمع زملاء الأمين في محاولة لردع حضرة الناظر، لكنه كان ثابت الجأش جسور، لديه من الخبرة والقيادة ما يمكنه من اجتياز مثل هذا.
حتى أن وصل معالي وكيل النائب العام:
_ في إيه يابني إيه الهيصة دي؟!
الراجل الناظر ده يا باشا عامل مشاكل ومش محترم القسم ولا القانون. هاتوهلي، قالها بلغة آمرة وهو يدخل مكتبه، فتبعه أمين الشرطة يصحب حضرة الناظر من ساعده:
هو انا مقبوض عليا يا باشا وانا مش عارف؟! إنت مستدعى للشهادة بأمر من النيابة يا حضرة؛ يعني لازم تمتثل في أدب، ثم أنا هنا بس اللي باسأل وانت تجاوب وبس.
حضرتك حتعلمني الأدب! أو إزاي اتعامل مع الناس؟! أنا موظف دولة زيك تمام ومسئول عن جيش من الموظفين والمركبات، يعني مواطن شريف أدفع ضرايب وخدمت في الجيش وأسرتي دفعت اتنين من الشهداء في هذا الوطن؛ وبعدين توقفني انتباه قدامك وتقوللي أدب؟! الأدب إحنا عنوانه، إحنا اللي وجدنا روح أكتوبر وجيبنا النصر للبلد دي ودفعنا الدم غالي وتقولي أتكلم بأدب؟! خلصت الخُطبة العصماء يا عم المواطن؟
_ ولا تتهكم! ليك عندي السؤال وبس اتفضل.
_ سين…كاتب النيابة يدون…
س: إسمك وسنك ووظيفتك؟ س: احلف بالله العظيم إنك تشهد بالحق ولا شئ غير الحق،
س: هل صحيح إن السائق المدعو( جلال عبد المعطي) أخبرك إن موتور الأتوبيس به عطل؟ س: وهل صحيح أنك أمرته يشغل الأتوبيس رغم العطل وإلا تديله جِزا؟
ج: حصل سعادتك، بس أنا لو طاوعت كل سواق بيقول إن عربيته عطلانة؛ ما حدش حيروح شغله، ولا العيال حتروح مدارسها!! س: ليه؟ مافيش موظفين صيانة؟
ج: فيه بس في الجراج سعادتك وواجب كل سواق يطمن على مركبته قبل ما يطلع بيها. س: السواق بيقول إن الموتور قفش، وإن انت لما أجبرته يدورها، الأتوبيس قفز فجأة على الرصيف وأخد الضحية تحتيه لولا أنه شد فرامل اليد كان الشاب راح تحت العجل ومات.
ج: أنا بأدي واجبي في الانضباط في الموقف حضرتك، خاصة إن خط التحرير ووسط البلد عربياته قليلة، والدور بياخد وقت طويل من شدة الزحام. س: هل لديك أقوال أخرى؟
_أقفل المحضر في تاريخه وأمرنا نحن وكيل النائب العام عن قطاع الوايلي بحبس المتهم محمد عيسى أربعة أيام على سبيل التحقيق.
أخذت المفاجأة والدهشة بعقل محمد عيسى، لم يكن يظن أبدا أن يتطور الأمر لهذا الحد! كان يظن أن المسألة مسألة سؤال لتوثيق الحادثة وحسب، كاد أن ينفجر غضبا :”هل هذا جزاء حرصي على مصالح الناس وقضاء حوائجهم؟!” لكنه أدرك بفطنته أن السهم قد نفذ، وأن الأمر ربما لا يخلو من غريزة الانتقام لأني لم أدعه يهدر كرامتي، وليكن:”حيسخطوك يا قرد !”.
انتهت وردية الأسطى سيد الطويل، ولما علم أن حضرة الناظر لم يعد انتابه قلق شديد واحتار، ماذا يفعل، ولكنه اهتدى لأن يذهب إلى قسم الوايلي ليقف على ما حدث لمديره وصديقه العزيز.
الأم سيدة تزرع البيت جيئة وذهابا ما بين البلكون والباب، تنظر لساعة الحائط:
_يا فاطمة، يا بت يا وفاء! أخوكم لسة مارجعش لحد دلوقتي وأبوكم على وصول، أنا قلبي مقبوض استرها يارب.
يتبع ..
التعليقات مغلقة.