عند اكتمال القمر قصة قصيرة بقلم / نزار الحاج علي
إهداء إلى ديك الجنّ.
في طريق عودته الطويل، كان عطر إنوثتها ما زال يغفو على منديله…يهدهده بلطف ومن ثمّ ينظر إلى الطريق الخالي إلّا من القمر الذي كان يتدلى بغنج بين الأغصان، يطمئن أنه لوحده؛ يجمع أنفاسه بعمق، ثمّ يضمّه إلى صدره بقوّة حتى لا تتناثر رائحته.
.
يتابع سيره نزولاً عبر بساتين الميماس مسايراً الضفة اليمنى لنهر العاصي، ينحني ثمّ يلتقطُ زهرة صغيرة، يتحسسها ورقة ورقة…
تحبني لا تحبني
…. ….
تحبني…بصوّتٍ عالٍ هذه المرّة؛ تعرّش من على فمه، لتتسلق الهواء النقي البارد، هي و تلك البتلات المقطوعة. . يلوك لسانه قليلاً، يقضمُ شفتيه…يشعر بطعم ضحكتها في فمه…يتلفّت حوله ليتأكد من خلوّ الطريق…وحدها شجرة السرو تنظرُ إليه من أعلى…يباعد قليلاً بين قدميه…يرفع سبابته وهو يشير إليها. أووه…يالك من شقيّة.
.
يقلقه اختلاط الفجرِ بالعتمة، يركض دون أن يتلفت، لكنه فجأةً يتوقف، يقرر أن يفاوض الشمس حتى لا تشرق…كان يخشى أن يستيقظ؛ يتوارى خلف جدارٍِ حجريٍّ أسود مثل طفلٍ صغير يحتمي بجلباب أبيه.
.
لم يعد الطريق خالياً…يشعرُ بالإحراج الشديد وهو يردُّ التحيّة لمعارفه، يسرف بالضحك؛ يسمعهم يتهامسون:
يالوعورة العشق. . يسارع بجمع كفيّه تحت شفتيه…يخشى أن تتخلّى عنه طعم ضحكتها الأخيرة، يحاول أن يطمئن أجنحة ذاكرته المرعوبة…يغمض عينيه ثمّ يحاول أن يرسمها على الطريق على شكل قصيدة؛ يهبط عصفورٌ صغير…ينقرُ الأرض فتخرج وهي ترقصُ من اللوحة، يمسك بيدها وهو يركض على أطرافةأصابعه…يتبعه فتيان الحيّ وهم يهتفون: يا مجنون…يا مجنون.
.
عند أطراف المدينة يتوقف عند جدار مهترئ؛ يكتب على الحائط:
_قلبي يقيمُ هنا.
يتسلل إلى الحديقة، يغرسُ فيها وردةً حمراء، يقتربُ من النافذة المهجورة…يعصفُ من صدره صوتٌ على شكل نحيب، ثم يختفي في البساتين البعيدة.
.
تثرثرُ نساء حمص عن شاعرٍ مجنون يتسلل في الليل ثمّ يرحل وعلى كتفه منديلٌ أحمر، وعن نحيبٍ غير مسموع لامرأةٍ عاشقة يصدرُ من خلف نافذه مهجورة.
.
نزار الحاج علي
التعليقات مغلقة.