حلقات مسلسلة يوميات ناظر المحطة(7) بقلم / محمد كمال سالم
حلقات مسلسلة يوميات ناظر المحطة(7) بقلم / محمد كمال سالم
(هرج ومرج على شاشة)
التليفزيون، صوت طلقات نارية عند المنصة، يتبعها صراخ واستغاثات، رجال مسلحون أمام المنصة، الكاميرا تهتز، تهتز بشدة،(ينقطع الإرسال)
ساد صمت مذهل للحظات، سكون تام وكأن الناس في سبات الموت، الضابط أشرف يهرول، يخرج من مكتبه:
_قتلوا الراااااجل، قتلوا الرااجل.
وكأن عقداوانفرط، قسم الشرطة أصبح في لحظة وكأنه وكالة بلا صاحب، واحتار سيد الطويل ومن معه كيف يتصرف، لم يبق أحد يكلمه في شأن محمد عيسى، حاولوا أن يدخلوا لحضرة وكيل النيابة، لكنهم أخبروهم بأنه مشغول.
اختفى كل رجال الشرطة في مكتب المـأمور ولم يعد في باحة القسم إلا المواطنون أصحاب الحاجة والمصلحة.
التليفزيون يعرض الأغاني الوطنية في ارتباك واضح، والإذاعة أيضا.
وفي تلك الأثناء يعود الأستاذ عبد الله إلى بيت الريس محمد عيسى ليخبر زوجته أنه استطاع أن يجد صديق ابنها حمدي، الذي أخبره أن كل ما أخبره به حمدي أنه حصل أخيرا على فرصة مهمة في فيلم سينمائي وأنه لابد أن يسافر إلى الإسكندرية لأن التصوير يجري هناك، وأنه لا يعرف كيف يتصرف، فكلما فتح سيرة السينما لوالده وعن حلمه بالعمل فيها، ينال من والده التأنيب والتقريع.
ثم ذهب الأستاذ عبد الله وقضى لها ولبناتها في سرعة احتياجاتهم من طعام وشراب قبل أن ينفض السوق، واطمأن عليهن بعد أن رأى الغم والهم قد حلَّ بالأم وبناتها؛ وعدهن أنه سيأتي لهن بخبر عن والدهم قريبا جدا.
وماإن ودعهن الأستاذ عبد الله، إلا وكان حمدي يتصل بأمه على تليفون البيت، والتي لامته وقرعته على استهتاره وعدم إحساسه بالمسئولية تجاه نفسه ووالده الذي هو في محنة الآن، وأخواته البنات، وأنه بلغ به التهور أن يسرق فلوس أخته التى تركها لها أبوها كتكلفة لمشروع تخرجها.
إعتذر حمدي باكيا لأمه، متعللا بأنه يحاول تحقيق حلمه، وأنه سيرد المال لأخته فور أن يعود لأنه حصل على فرصة جيدة وأجر محترم.
لم يغمض للرجل جفن، منذ أن وضعوه في تلك الزنزانة الوضيعة، وما زاده ألما ورعبا؛ لما علم أن عربة الترحيلات تنتظرهم لترحيلهم لسجن الاحتياط، واختلفت مشاعره بشدة على الأسطي جلال السائق بعد أن رسخ في يقينه أنه سبب كل تلك المصائب، بينما باءت بالفشل كل محاولات الأسطى جلال في تهدئته أو استرضائه.
لم يبرح سيد الطويل ولا الشيخ فداء ومعهما المحامي، ذلك الرواق الذي فيه مكتب وكيل النائب العام، فقد أخذ عهدا على نفسه أن يبذل أقصى ما يستطيع وألا يترك صديقه يبيت ليلة أخرى في أي محبس جديد.
ولما بدأ القلق يساورهم واليأس يتسلل إلى نفوسهم في ظل هذه الظروف الاستثنائية؛ إذا بأحد الجنود يصحب الريس محمد عيسى والأسطى جلال في كلبش واحد، في اتجاه مكتب وكيل النيابة، تهلل وجهاهما لما رأيا أصحابهما موجودين ولم يتركوهما وحدهما بينما صاح الشيخ فداء فيهما وهما يدخلان المكتب:
لا تخافا يا أحباب سيجعل الله بعد عسر يسرا قريبا إن شاء الله. يدخل عليهم محروس افندي بينما سيد الطويل يسأله في دهشة: سيبت الموقف لوحده ليه يا عم محروس؟
يعني الموقف حيتسرق يعني ياسيد، سمعتوا اللي حصل للرئيس السادات؟ الراجل مات؟وألا مصاب؟
وألا عايش؟وألا
الهليكوبتر أخدته للمستشفى. الشيخ فداء: لعله يموت ونستريح منه! محروس في غضب: ليه ياشيخ كده! إنت شايله على دماغك ليه؛ هو كان أكل ورثكم؟ يحاول الشيخ الرد عليه فنهرهما المحامي، إن هذا ليس هو المكان ولا الزمان لمثل هذا الجدال. لم يمر على دخولهما مكتب النيابة، حتى خرج نفس الجندي يجر فتاة عشرينية من يدها يبدو عليها الحزن والإرهاق، تنظر للأرض في خجل بينما يدهش محروس افندي ويهمس في أذن سيد الطويل: يالَلا يا سيد، دي البنت
ال كان الشاب المصاب بيستناها كل يوم الصبح في الموقف.
الموضوع باين عليه كبير يا عم محروس. لم يطل انتظارهم طويلا حتى خرج أحد الجنود عائدا بالريس محمد عيسى والأسطى جلال، ولكن بغير قيد هذه المرة، وكان يحمل في يده ملفا صغيرا واتجه بهما صوب مكتب الضابط النوبتجي، كان وجهاهما متهللا غير الوجه الذي دخلا به، فتبعوهمامتسائلين؛ ما الخبر؟ ينهرهم الجندي في حدة (ماينفعش يا حضرات التجمهر ده جوه القسم، اخرجوا بره لو سمحتم) يضع الملف على مكتب الضابط النوبتجي: إفراج وجوبي من الحبس الاحتياطي يا باشا.
خرَج الناس اللي وراك دي بره القسم، فيه حظر تجول، ماحدش يستنى هنا. أخرجوا كل المواطنين الموجودين، وبقيَّ المحامي معهما. بينما الشارع يضج في فوضى عارمة، تحت وطأة نزوح الناس في محاولة للوصول لبيوتهم، يتردد بين الناس أن الرئيس قد مات. وبينما أصحابهم ينتظراهما حتى خرجوا إليهم جميعا؛ فاسقبلوهما بالعناق والقبلات متهللين بينما قال لهم المحامي: الإفراج وجوبي لاستحالة وجود أدلة إدانة تدينهما، الولد المصاب والبنت متورطان في حادث المنصة.
يضرب محروس افندي كفا بكف مندهشا:
وانا ال فاكرهم عصفورتين بيحبوا بعض! يا خبر ابيض، والشنطة كان فيها إيه يامتر؟ الشنطة كان فيها خزن رصاص وطلقات نارية وإبر ضرب النار لأسلحة الرشاش الكلاشينكوف، علشان خزن الأسلحة في العرض العسكري فاضيه والبندقيه منزوع منها إبر ضرب النار.
_ خِزن رصاص مع العيل الفافي ده؟!
علشان ما حدش يشتبه فيه، زي مانت قلت كده تمام، كا ن مكلف بتسريبهم لطابور العرض في اليوم اللي دهسه فيه الأسطى جلال، لكن يظهر إنه ماكنش العنصر الوحيد المكلف بده، وإلا ماكانتش الجريمة اتنفذت. الريس محمد عيسى يحوقل ويتمتم: يعني الأسطى جلال عمل خدمة للبلد بالحادثة ال عملها، طيب والبنت اللي أمر وكيل النيابة باستمرار حبسها على ذمة التحقيق؟! هي عنصر مجند جوه الجماعة الإسلامية الل نفذت الحادثة، كانت مهمتها التمويه على المخابرات العسكرية
والنيابة لحقت تعرف كل التفاصيل دي؟ تعرف يا ريس محمد؛ لو كان الأسطى جلال دهس الولد ده قبل يوم واحد كمان؛ كانت المباحث حتجهض عملية الاغتيال.
مطاردة عنيفة تجري في الشارع حول القسم، عناصر مسلحة تطارد شخصا في زي عسكري يبادلهم إطلاق النار، يتوارى الجميع خلف السواتر والسيارات، محروس افندي يلهث من الخوف، يكلم الريس محمد:
أنا باشبه على الراجل اللي بيطاردوه ده ياريس؟!! ده المجنون ال كان فارش وقلتلك شيله امبارح من قدام المكتب!!
يتبع…
لكن بعد العيد بإذن الله علشان أيام النفحات، وكل عام وأنتم بخير.
التعليقات مغلقة.