اليوم العالمي للأب ” غُصَّة” قصة قصيرة بقلم / أحمد فؤاد الهادي
عندما رأى ولديه يصطحبان بعضهما ويدلفان إلى حجرة أختهما الكبرى ذات الخمسة عشر ربيعا، تأكد أنهم يطلبون دعمها لهما في طلب يرغبان فيه، وما خاب ظنه، فبعد دقائق، كانوا حوله وعلى وجوههم ابتسامة يعرف ما وراءها، وتولت المتحدثة الرسمية باسمهم تقديم الطلب برقتها التي تأسر قلب أبيهـا، فغدا عيد الأم، ولابد من الدعم المالي ليشتري كل منهم هدية لأمه المشغولة الآن في مطبخها، قبل أن تنتبه لما يدبرون فتبهت المفاجأة.
التلفزيون – بكل قنواته – متخم باللقاءات والمقابلات والفتاوى والخطب والتمثيليات والمسلسلات والأفلام، حتى الإعلانات، جميعها عن الأم وعيدها، الأم المكافحة والتي ولدت أولاده وأرضعتهم وربتهم، وكأنه شيء عجيب، والأم التي والتي والتي، الشجرة البرية التي نبتت في صحراء قاحلة، فأظلت وأثمرت، كان يتابع بلا التفات، إلا أن الإلحاح والتكرار رفعا ضغطه، يريد أن يعلق ويتكلم، هي ليست أما واحدة، بل أمهات لا حصر لهن، فيهن الصالحات وفيهن الطالحات، يقلب كل القنوات ولكن لا مفر، يلوذ بالراديو، يجدهم في انتظاره، يتعجب من أين يأتون بكل هذا الكلام، هل لا يشعرون بالتكرار الممل؟
يقبع في مقعده بعيدا عن الراديو والتلفزيون، الأبناء يدخلون مهللين ينادون على أمهم وهم يحملون هداياهم، تطير الأم إليهم فرحة، لا يلتفت إليه أي منهم، حتى أعدت المائدة للغذاء، يلتفون حول المائدة، ينتبهون لغيابه، تناديه الأم بلا اكتراث، وكأنها مسلمة باستجابته، يجلس صامتا، تلومه أنه لم يقدم لها هدية بتلك المناسبة، يبتسم ويكتفي بالنظر إلى طعامه.
إحساس مر، إنهم يدمرون الأسر، وكأن الأب لا دور ولا وجود له، وكأن الله لم يخلق الأنثى لهذا الدور وجاء منها تفضلا رغم وجود هذا المعوق الدخيل المسمى بالأب، والذي يحاولون إثبات أن غيابه يكون سببا في تحول الأم إلى صاروخ يحمل الأولاد إلى أرفع المراتب.
لم يشأ أن يفسد عليهم فرحتهم، وكانت المفاجأة السعيدة عندما وجدوا بالباب من يحمل تورتة كبيرة قد طلبها في غفلة منهم، جمعهم وأمهم حولها وصفق وغنى معهم، كما سبق أن تصرف ألف مرة ليبقي هذا البيت مفتوحا، وعندما تأكد أنهم سعدوا وسعدت أمهم، عاد إلى مقعده، وبقي هو والتلفاز صامتين.
التعليقات مغلقة.