أغنيتي الأخيرة بقلم / محمد كمال سالم
أغنيتي الأخيرة بقلم / محمد كمال سالم
أدركت الآن فقط؛ أن ذاك زمان قد مضى.
وأن هذه هي المرة الأخيرة لخطواتي تلك هنا.
وأنه مهما غلبني الشوق، فلن تتطلع عيوني أبعد من هذا السياج الحديدي وهذا الباب القديم الموصد.
حلق قلبي للسماء السابعة يوم أن اجتزته لأول مرة، اختلاف الناس هنا في عيوني، لم يكن محض خيال؛ أصواتهم، هذا البريق في عيونهم، في عيوني، رجع صوتي من بينهم يعانق أصابع البيانو المذهلة: أين كنت؟!
سؤال قفز من عيونهم محبة وعُجبا، جاوبتهم من كل المقامات صبا ونهاوند وكورد؛ فصرنا فريقا ونشيدا.
شُقَ صدري ها هنا وامتطت العُرب النشيج، تواثبت الأحلام وراحت تكبر وتكبر حتى لم تعد تسعها جنبات المكان.
.
كانت دنيا فيما مضى هنا، صوت صرير خشب الأرضية القديم، الذي كان يتسلل من حذائي ليسري كالكهرباء في كل أعصابي، ثريات نحاسية عتيقة، الضوء الأصفر الخافت المتدلي على صور المشايخ الرواد المعلقة على الجدران في إطاراتها الخشبية المذهبة_ الشيخ سيد درويش، سلامة حجازي، أبو العلا محمد، زكريا أحمد_ ، تكاد تحدثنا عن كيف حصلوا علوم الموسيقى، ثم نقلوها بأمانة عبر الأجيال، حتى وصلت إلى أساتذتنا الجالسين على ٱلات التخت القديم والبيانو العتيق ينقلوها لنا بنفس الأمانة، رائحة المكان والجدران التي ترتد لمائة عام مضت، صوت تقاسيم ٱلة القانون يتحاور مع أصوات الكمنجات وٱلة العود، لخلق التجانس بينهم ( الدوزان) تنبعث من إحدى القاعات وكأنه لم يعد في الكون سواها.
وأنا أتواثب في حركة سريعة على السلم الخشبي الدائري القديم، في محاولة اللحاق بالبروڤة مبكرا، وأخذ مكاني بين أعضاء فريق الكورال.
أجول الٱن حول المكان خارج هذ السياج الحديدي، ألملم ذكريات تبعثرت، هنا بدأ شبابي الغض…
هنا بكت أحلامي لما تعثرت، وشدوت منفردا “أغنيتي الأخيرة”
التعليقات مغلقة.