هل عاملته بالدرهم والدينار؟ مقال للدكتور /صبحي زُردق- استشارى أمراض المخ و الأعصاب و الطب النفسي.

هل عاملته بالدرهم والدينار؟ مقال للدكتور /صبحي زُردق- استشارى أمراض المخ و الأعصاب و الطب النفسي.

زودنا الطب المعاصر عن بعض سمات الشخصية المادية ، فتتميز الشخصية المادية بحساب كل شيء بالنقود ،ولا تضع أي شيء للمعنويات أو للقيم الجوهرية للأمور، الشخص المادي يبحث دائماً عن الربح و المكسب المادي و يكره جداً أن يخسر ، كما أنه إذا قدم لك خدمةً ما تجده يلوح إلى الأعمال التى تركها من أجلك ، كما أن الشخص المادي تجده يحب أن يتقرب دائماً من الأثرياء ، بينما ينفر دائماً من الفقراء و المحتاجين ، الشخص المادي لا يحب الانفاق و يميل إلى البخل و الشح حتى و إن كان ذلك على حساب صحته أو صحة أسرته ، الشخصية المادية تسأل عن سعر كل شيء لأنها تحسب كل شيء بالنقود دون النظر إلى أن هناك مواقف معينة لا يمكن التعامل معها بهذه الطريقة على الإطلاق.
.
و هناك مواقف كثيرة تكشف لنا عن جوهر أى إنسان، و تبرز لنا معدنه الأصيل ،و تكشف لنا جوانب من شخصيته الحقيقية مثل: السفر مع ذلك الشخص ، أو السكن بجواره ، أو الدخول معه في خصومه ..

و من تلك المواقف أيضاً التعامل مع الشخص فيما يخص المال، مثل: الدخول معه في شراكة كمشاركته في بضاعة أو مشروع أو تجارة ما ، أو ائتمانه على مال، أو أخذ قرض مالي منه ، أو إقراضه مبلغاً من المال .
.
و قد أشار القرآن الكريم إلى تنوع رد الفعل لدى الناس و بَيَّن جانب المادية فيهم و عدم الوفاء بالوعد عندما تقرض شخصاً ما مبلغاً من المال ، قال تعالى راصداً و مبيناً لردود أفعال الناس عند إقراضهم مالاً (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) آل عمران 75…
.
إذاً بعض الناس يكشف عن مدى أمانتهم و وفائهم بالوعد إذا ما أقرضتهم مالاً ، فمنهم من يرد إليك مالك كما هو في نفس الموعد المتفق عليه ،و منهم من يماطل في رد الحق إلا ما دمت تطالبه به على الملأ … فالمال يكشف مكنونات النفوس
.
و كذلك الشركاء في التجارة ، تكشف تلك التجارة مكنون النفوس من العيوب أو المحاسن، رجلان متسالمان بخلاف رجلين متشاكسين بسبب التجارة و المال و المكسب و الخسارة ، قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا)الزمر 29…
.
و قد يكشف المال و التجارة عن جانب ظلم النفس البشرية للغير، و الناشىء عن حب النفس وحب الاستئثار ، كما جاء في قوله تعالى (إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)ص 23….
.
قصة” هل عاملته بالدرهم والدينار” ؟
.
و هو سؤال جاء في قصة لأمير المؤمنين عُمر ، لافتاً الأنظار إلى ما يكشفه المال من أخلاق البشر و مكنونات النفوس ، ففي ذات يوم أمسك سيدنا عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بيد رجل في المسجد وقال للحاضرين: من منكم يشهد لهذا الرجل «أي يضمنه»؟ فقام رجل وقال: أشهد بأنه رجل صالح ثم جلس. فأوقفه عُمر وقال له: هل أنت جاره الأقرب؟ فقال: لا. فسأله عمر: هل رافقته في سفر؟ فقال: لا. فسأله عمر: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ فقال: لا ، فإذا بأمير المؤمنين يقول له: اجلس أيها الرجل الطيب فإنك لا تعرفه..” رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان خبيرا بنفوس الناس.