موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

ديون معدومة ..للروائي/ محمود حمدون

107

ديون معدومة ..للروائي/ محمود حمدون

لم أجد لهذا النص تعليقا أفضل من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)
.
_ربما سبرت بعض أغوار النص.

هذا الرجل لم أكن أحبه أبدًا, لولا الواجب وما جرى عليه العرف بيننا ما ذهبت للعزاء. لم يكن حالي بأفضل من أحوال باقي الناس, فما من أحد التقيت في الصوان إلّا وجدته مثلي متجهمًا, عابسًا, ينتظر مرور الدقائق الثقال حتى ينتهي المقرئ من تلاوة” الرُبع”.
حين أدرت بصري في السرادق لم أجد غير الجيران. ممن جاوروا الفقيد, عاصروه , غالبيتهم امتنع من سنين بعيدة عن مخالطته أو التردد على دكانه إلاّ لحاجة العوز.
“عم قطب”, فظ في الثمانين, أو ربما يزيد في عمره عن ذلك , فتقدير بعض عقلاء الحيّ أكدوا أن عقده الثامن اكتمل من أشهر قليلة سبقت موته. ترجع خشونة طبعه إلى ضيق خُلق واحتراق أعصابه لأتفه سبب, قيل أن ذلك يرجع لعلّة مرضية توطّنت جسمه قبل عقود عقب وفاة زوجته أو هروبها حسب زعم البعض, سرت إشاعات نالت من شرف الهاربة وأنها لحقت بعشيق قديم, أن المرحوم كان يعلم ويغض الطرف كي تسير الحياة. لكن أقسم ” عبد الموجود” وهو بالمناسبة خصم لدود للميت في تجارة البقالة ويقع محله على الطرف المقابل البعيد للحي, أن زوجة الرجل طاهرة الذيل, أن بعلها عاقل لم يلتفت لتلك الترهات وإلّا خرب البيت من فترة بعيدة, أن خصومته مع الراحل لا تمنعه أن يقول في حقه كلمة تمنع عنه شر ألسنة الخلق.
مات” قطب”, وفي رقاب الخلق في شوارع الحي والأحياء القريبة ديونًا لا حصر لها, جميعها مدوّن في دفتر متوسط الحجم تزيد صفحاته على مائتي ورقة, أنه ما ترك قرشًا في ذمة أحد إلّا وثّقه بالتاريخ والوقت, بالأرقام والحروف. لم يُقرض بربا أبدًا, غير أنه كان يعشق أن يُغرق الأهل والمعارف ومن يجاورنه من يحتاج منهم في همّ الدين ليلًا وذُلِّه نهارًا.
حين سمعنا خبر الوفاة, اندفعت مع الجمهور صوب بيت الرجل, صعدنا درجات السلم الحجري حتى الدور الثالث, كسرنا باب شقته. زكمت رائحة الموت وتعفّن الجثة أنوفنا, إذ بدا أن أجله حلّ به منذ فترة دون أن يدري أحد!
فتراجع منّا من تراجع للوراء, تقدمت ثلّة للأمام , تفقدت المكان, أزعم أني رأيت ” أحمد سنهابي”, يفتش في الأدراج, لمحته بطرف عيني يدسّ شيئًا في عبّه. عبثًا حاولنا ليلة تغسيل الجثة العثور على الدفتر, فلم نجده, تنفسنا الصعداء, زعم “الشيخ يس”, امام الزاوية, أن ” قطب”, قد أفاق من غفلته, أدرك أن الدنيا عرض زائل, لذلك مزق دفتره, أحرق أوراقه, أن المدينين الآن في حلِّ من ديونهم, وأن ما عليهم أصبح في حُكم المعدوم, وأكمل: بخاصة وأن الفقيد عقيم, منقطع من شجرة كما يقولون, ثم تردد هنيهة وأردف: على العموم الدين ثابت في ذمتكم, إن ظهر له وريث له أن يطالب به, أو تصدّقوا على روحه ما وسعتكم قدرتكم.
سعد القوم بما قاله الشيخ, وإن لم تركن إليه عقول البعض لعلمهم بشخصية الراحل. لعلع صوت المقرئ, أجاد في تلاوته فوق ما نعرف عنه, فابتهجنا وسرت بيننا أحاديث تتناول مستقبلنا فيما بعد رحيل” قطب” تواترت علينا الأحلام وتناوشتنا خيالات جميلة لا حد لها لم تراودنا من قبل.
غير أننا وقبل أن تنتهي الليلة, في اللحظة التي أنهى فيها المقرئ تلاوته بخاتمته ” صدق الله العظيم..” اندفع رجل ضخم الجثة , طويل, عريض الصدر يحمل في يده هراوة لم أر مثلها, وقف في وسط السرادق, أدار عينيه في المكان , لوّح بنبّوته, تحيط به زمرة من أنصاره لا تقل عنه بأسًا.. بصوت يحمل غلظة طبع صاح: البقاء لله, ذهب الرجل لمكان أفضل, ترك لي إرثًا بغيضًا.
سأله الشيخ “يس”: ماذا تقصد يا ولدي؟ بل من أنت؟ كيف تقتحم العزاء هكذا؟
أجابه الرجل: أمّا من أنا, فأنا عملكم الأسود. فأجفل الشيخ من ردّ العتيّ , حوقل واستغفر بصوت مسموع, ثم آثر الصمت موقنًا بأن الخوف لا ينتقص من إيمان المؤمن.
أفاض الغريب في حديثه قائلًا مخاطبًا الجموع التي توافدت من كل صوب: اشتريت ما عليكم من ديون من الراحل قبل موته بأشهر قليلة, كل دَينّ بصاحبه, من الساعة أنتم وما تملكون طوع أمري, ثم أشار لأحد أعوانه, فأخرج دفترًا ورقيًا جديدًا, فأذعنّا له صاغرين وانتظمنا صفَا طويلًا, للتوقيع على بياض.

التعليقات مغلقة.